السؤال
هل الملائكة سيحشرون يوم القيامة؟ وهل أمرنا الله إذا كنا نعرف الاعتقادات الخاطئة التي تكفر ونريد دخول الإسلام أن نقول إننا بريئون من كل شيء يخالف دين الإسلام؟ وما هو الدليل على قول هذه العببارة؟ ومتى أقولها؟ وهل تكون بنية؟ أم أقولها ثم أنوي دخول الإسلام؟ أم جميعها بنية؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فاعلم أخي السائل أولا أن كثيرا من أسئلتك تدور في فلك المسائل التي لا يترتب عليها عمل ولا اعتقاد تطالب به شرعا، والإكثار من هذا النوع من الأسئلة والتكلف في السؤال أمر مذموم شرعا وفيه إضاعة لوقت السائل والمسئول، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:... ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه. متفق عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فأمرهم بالإمساك عما لم يؤمروا به معللا ذلك بأن سبب هلاك الأولين إنما كان لكثرة السؤال، ثم الاختلاف على الرسل بالمعصية. اهـ.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ واصفا حال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكن إنما كانوا يسألونه عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يسألونه عن المقدرات والأغلوطات وعضل المسائل، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به، فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه فأجابهم.
وأما سؤالك عن الملائكة: فقد دل القرآن على نزول الملائكة إلى الأرض يوم القيامة، وأنها تجيء صفا صفا أي صفا بعد صف؛ كما قال تعالى: ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا {الفرقان:25}.
وبعد نزولها تحيط بالخلق, قال ابن كثير في تفسيره: قال ابن عباس: يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد، الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق، فتنشق السماء الدنيا، فينزل أهلها ـ وهم أكثر من الجن والإنس ومن جميع الخلائق ـ فيحيطون بالجن والإنس وبجميع الخلق، ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها، وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والإنس ومن جميع الخلق فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والإنس وجميع الخلق، ثم تنشق السماء الثالثة فينزل أهلها، وهم أكثر من أهل السماء الثانية والسماء الدنيا ومن جميع الخلق، فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم، وبالجن والإنس وبجميع الخلق، ثم كذلك كل سماء، حتى تنشق السماء السابعة، فينزل أهلها وهم أكثر ممن نزل قبلهم... اهـ.
وقال السعدي: وتنزل ملائكة كل سماء فيقفون صفا صفا، إما صفا واحدا محيطا بالخلائق، وإما كل سماء يكونون صفا، ثم السماء التي تليها صفا وهكذا, القصد أن الملائكة ـ على كثرتهم وقوتهم ـ ينزلون محيطين بالخلق مذعنين لأمر ربهم لا يتكلم منهم أحد إلا بإذن من الله. اهـ، فهذا حشر الملائكة المكرمين.
وأما عن الاعتقادات الباطلة: فإن مجرد العلم بتلك الاعتقادات من غير قول ولا عمل ولا اعتقادها بالقلب لا تأثير له على الإسلام ولا يكفر المسلم بمجرد معرفتها، فلا داعي للوسوسة، ولست مطالبا شرعا بأن تقول إنك بريء من كل قول يخالف دين الإسلام, وما يذكره الفقهاء في باب الردة أن من ارتد يقول إنه بريء من كل دين يخالف دين الإسلام، هذا يذكرونه في بعض أنواع الردة وليس في كلها, قال شيخ الإسلام في شرح العمدة: فإن كان كفره بقوله إن محمدا صلى الله عليه وسلم إنما بعث إلى العرب خاصة احتاج ـ مع الشهادتين ـ إلى أن يقر أنه مبعوث إلى الخلق أجمعين، ويتبرأ مع الشهادتين من كل دين يخالف دين الإسلام، لأنه إذا اقتصر على الشهادتين احتمل أنه أراد ما اعتقده. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح الزاد: قوله: أو قوله: أنا بريء من كل دين يخالف الإسلام ـ هذا طريق ثان للتوبة فيمن كانت ردته بجحد فرض ونحوه. اهـ.
والله أعلم.