السؤال
هل لو قال الرجل: كنت متزوجة، ولم ينو بها الطلاق، لا يقع؛ لأنها ليست لفظا صريحا؟
رجل تزوج بثانية بعد طلاق الأولى، بسبب مشاكل كثيرة، كان يأكل مع زوجته الثانية، وسرح يفكر أنه يقول للأولى: كنت متزوجة، وشك أنه نطق بها. هل لا يقع طلاق على الثانية؛ لأنها كناية، ولم ينو بها طلاق الثانية.
ما حكم من يسرح كثيرا في أمور الطلاق، ويشك أنه يتلفظ بها لا يدري هل تلفظ بها أم لا؟ يبني على أنه لم يرد التلفظ بها، فلا يقع بها طلاق أم يعتبر نفسه موسوسا ولا يلزمه شيء؟
كان يشاهد التلفزيون، فجاءت كلمة مطلقة في الأخبار، لم يعرف هل قرأها عندما كانت على الشاشة أم لا، لكنه بعدها لاحظ أنها تخص البلد الذي هو وزوجته منه. فهل لو كان قرأها يقع طلاق؛ لأن زوجته من هذا البلد أم كل ذلك وسوسة لا يلتفت إليها؟
لا يريد الطلاق، لكن شيئا ما يدفعه للتلفظ بألفاظ الطلاق مثل أن يقول طالق، أو علي الطلاق، أو الطلاق مرتان أو .... يحاول أن يدفع ذلك لكن يشك أحيانا أنه يمكن أن يكون أخطأ ونطق بشيء من ذلك. هل يعتبر نفسه موسوسا لا يلزمه شيء حتى لو قال مطلقة أو علي الطلاق أو .....
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكرته لا يقع بشيء منه طلاق، والحال التي وصفتها في سؤالك هي حال من ابتلي بداء الوسوسة، والمبتلى بالوسواس لا يقع منه الطلاق، ولو نطق بلفظه صريحا، ما لم يرده، ويقصده قصدا حقيقيا في حال طمأنينة، واستقرار بال؛ وذلك لأنه مغلوب على أمره في غالب أحواله.
قال الإمام الشافعي في كتابه الأم: ومن غلب على عقله بفطرة خلقة، أو حادث علة لم يكن سببا لاجتلابها على نفسه بمعصية، لم يلزمه الطلاق، ولا الصلاة، ولا الحدود وذلك مثل المعتوه، والمجنون، والموسوس، والمبرسم، وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبا على عقله. فإذا ثاب إليه عقله، فطلق في حاله تلك، أو أتى حدا أقيم عليه، ولزمته الفرائض، وكذلك المجنون يجن ويفيق. فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه، وإذا طلق في حال إفاقته لزمه. اهـ.
ومن باب أولى أن تحديث الموسوس نفسه بالطلاق لا يقع به الطلاق، وكذلك شكه في التلفظ بالطلاق لا يترتب عليه شيء. وأما قول الرجل: كنت متزوجة، فلا يقع به الطلاق مطلقا؛ لأنه ليس من صريح ألفاظ الطلاق، ولا من كناياته. وانظر الفتوى رقم: 215830 .
ونختم بسوق هذه الفتوى لابن عثيمين حول طلاق الموسوس، يقول فيها: ونصيحتي لهذا الأخ الذي ابتلي بهذا الوسواس في طلاق امرأته: ألا يلتفت إلى ذلك أبدا، وأن يعرض عنه إعراضا كليا. فإذا أحس به في نفسه، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم حتى يبعده الله عنه. أما من الناحية الحكمية: فإن الطلاق لا يقع بهذه الوساوس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) فما حدث الإنسان به نفسه من طلاق أو غيره، فإنه لا يعتبر شيئا. وإذا كان طلاقا فإنه لا يعتبر حتى لو عزم في نفسه على أن يطلق لا يكون طلاقا، حتى ينطق به فيقول مثلا: زوجتي طالق. ثم إن المبتلى بوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به في لسانه، إذا لم يكن عن قصد؛ لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة بل هو مغلق مكره عليه؛ لقوة الدافع، وقلة المانع. وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا طلاق في إغلاق) فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة. فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه الإنسان بغير قصد ولا اختيار، فإنه لا يقع به طلاق .اهـ. من فتاوى نور على الدرب.
والله أعلم.