الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصحبة خالد بن الوليد, ومعاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهم ـ ثابتة لا خلاف فيها، والمدعو عدنان إبراهيم لا يطعن فقط في صحبة هذين الصحابيين، بل يزعم أن كل من أسلم بعد صلح الحديبية فليس صحابيا، وهذا يجري على أبي هريرة, وأبي موسى الأشعري, وأمثالهما، فضلا عمن تأخر إسلامه للعام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم, كجرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - ولا يتوقف أمر هذا الشخص عند هذا الحد، فإنه يصرح بأن أهل بدر, وأهل بيعة الرضوان ليسوا كلهم في الجنة؛ لأن بعضهم نكص على عقبيه!
وأما موقفه من معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ فلا يقف عند حد نفي الصحبة عنه، بل إنه يسبه, ويطعن فيه, ويلعنه، ويصل القبح إلى مداه, فيقول عنه: دعي بن دعي، ويصف ابنه يزيد بأنه ابن حرام، ويصف ميسون بنت بحدل الكلبية زوجة معاوية أنها كانت تهوى سرجون خادم معاوية, ويلعن معاوية لعنا قبيحا، ويصفه بأنه دجال عظيم، وعنده عقدة جنسية!
ومعاوية - رضي الله عنه - مشهود له بالجنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا, قالت أم حرام: قلت - يا رسول الله -: أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم. ثم قال النبي: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. فقلت: أنا فيهم - يا رسول الله -؟ قال: لا. أخرجه البخاري. ومعلوم أن أول جيش غزا البحر هو جيش معاوية.
وثبت أن النبي صلى الله وسلم قال فيه: اللهم اجعله هاديا, مهديا, واهده, واهد به. أخرجه أحمد وغيره.
وسئل الإمام أحمد عن رجل يشتم معاوية أيصلى خلفه؟ قال: لا، ولا كرامة.
وسئل أحمد عمن ينتقص في معاوية, وعمرو بن العاص، أيقال له: رافضي؟ قال: "إنه لم يجترأ عليهما, وإلا وله خبيئة سوء"
وبالجملة فقد نص على فضل معاوية - رضي الله تعالى عنه - وإمامته علماء الأمة وأعلامها، وروى عنه كثير من الصحابة أحاديث عدة، وهذا فضل عظيم له، وصرح بفضله غيرهم من التابعين والعلماء, كسعيد بن المسيب، وأحمد بن حنبل, وابن المبارك, والمعافى بن عمران, والميموني, وسائر أعلام الأمة وأئمتها, كالبخاري, وابن الجوزي, وابن كثير, والطبري, وابن عبد البر, وابن حجر العسقلاني, وغيرهم كثير, نصوا على فضله, وصحبته, وأن الطاعن فيه خبيث الطوية, وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 34898، 52235.
وأما خالد بن الوليد - رضي الله عنه - ففضائله ومناقبه ومآثره ومكانته وقدمه في الإسلام لا تخفى على ذي بصيرة، وراجع في بيان بعض ذلك الفتويين: 25798، 111004, وراجع في الدفاع عنه الفتويين: 105602، 199591.
وأما الاستشهاد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: دعوا لي أصحابي. على نفي صحبة خالد وأمثاله ممن تأخر إسلامه، فلا يصح بحال، وإنما يصح الاستدلال به على تفاوت مراتب الصحابة، وأفضلية السابق منهم، وسياق الحديث يدل عليه، فعن أنس قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها! فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم, فقال: دعوا لي أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد, أو مثل الجبال, ذهبا ما بلغتم أعمالهم. رواه أحمد.
قال المناوي في فيض القدير: قوله: "أصحابي" مفرد مضاف, فيعم كل صاحب له، لكنه عموم مراد به الخصوص؛ لأن السبب الآتي يدل على أن الخطاب لخالد, وأمثاله ممن تأخر إسلامه، وأن المراد هنا متقدمو الإسلام منهم، الذي كانت له الآثار الجميلة, والمناقب الجليلة في نصرة الدين": من الإنفاق في سبيل الله, واحتمال الأذى في سبيل الله, ومجاهدة أعدائه, ويصح أن يكون من بعد الصحابة مخاطبا بذلك حكما: إما بالقياس, أو بالتبعية. اهـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري: المراد بقوله: "أصحابي" أصحاب مخصوصون، وإلا فالخطاب كان للصحابة، وقد قال: "لو أن أحدكم أنفق .. " وهذا كقوله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} الآية. ومع ذلك فنهي بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجر من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب الأولى. اهـ.
وبهذا يتضح أن مدعي هذه الدعوى ممن ينتقص من مقام الصحبة، هو من أولى الناس بهذا التحذير النبوي الشريف.
وأما الاستشهاد بتخوف عمر من أن يكون من المنافقين, وسؤاله حذيفة عن ذلك، فجوابه: أن هذا جار على دأب السابقين بالخيرات من الأتقياء والصلحاء كما قال تعالى: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون [المؤمنون: 60] وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 74064، 170249، 68464. كما سبق لنا الرد على شبهة احتمال كون بعض الصحابة من المنافقين، وذلك في الفتوى رقم: 217708.
وللاطلاع على المزيد في بيان حال هذا الشخص المذكور يمكن مراجعة مقال: (حقيقة الدكتور عدنان إبراهيم المتشيع).
والله أعلم.