الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الرياضة فلا إشكال في كونها نافعة للجسم، ومفيدة للصحة، وراجع الفتوى رقم: 5921.
وأما أخذ ذلك من الآية فنخشى أن يكون من القول على الله بلا علم؛ إذ إن العلماء من السلف نصوا أن المراد بالركض: دفعها بالرجل، وعلى هذا السلف والخلف، قال معمر وقال الحسن: فنادى حين نادى: رب أني مسني الشيطان بنصب وعذاب, فأوحى الله إليه أن {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} [ص: 42] فركض ركضة خفيفة, فإذا عين تنبع حتى غمرته, فرد الله جسده, ثم مضى قليلا, ثم قيل له: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} [ص: 42] فركض ركضة أخرى, فإذا بعين أخرى فشرب منها فطهر جوفه, وغسلت له كل قذر كان فيه. وذكره الطبري عن وهب بن منبه, وقتادة، وغيرهما, ومن المفسرين مقاتل، والطبري، وابن عطية، وباقي المفسرين, وما رأينا أحدا منهم ذكر أن الركض في الآية بمعنى الجري، مع أنه أتى بهذا المعنى في القرآن, بل قال الزجاج: معناه: دس الأرض برجلك, فداس الأرض دوسة خفيفة!
ثم إن السياق ينبو عن المعنى الذي ذكرته، إذ رتب الله المغتسل والشراب على الركض, فكيف يكون الركض هو المشي والسعي؟!! ثم هو غير جار على قواعد العرب في الكلام, قال ابن عاشور: وجملة "هذا مغتسل" مقولة لقول محذوف دل عليه المقول الأول، وفي الكلام حذف دلت عليه الإشارة, فالتقدير: فركض الأرض, فنبع ماء, فقلنا له: هذا مغتسل بارد وشراب, فالإشارة إلى ماء لأنه الذي يغتسل به ويشرب. فالمأمور به ضرب الأرض, لا ممارسة مستمرة للرياضة.
وخلاصة الأمر أن هذا خطأ في الدليل لا المدلول، فقد يكون ما حاولت الاستدلال عليه صحيح، لكن الآية لا تدل عليه، فاحذر من القول على الله بلا علم.
وأما الاغتسال بالماء البارد فدلالته محتملة؛ لتنصيصه على البارد، ولكن هل هو مفيد في مس الشيطان، أو في التنشيط عموما للمريض؟ والأطباء النفسيون ينصحون المرضى بالسباحة، أو الاغتسال بالماء البارد صباحا، وقد أشار د. محمد إسماعيل المقدم -حفظه الله - في تفسيره الصوتي لهذه الآية، إلى أن التنصيص على البارد قد يدل على فائدته، وهو أيضا طبيب.
ومن فوائدها ما جاء في الحديث الذي رواه الحاكم عن أنس مرفوعا: إذا حم أحدكم ، فليشن عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر. صححه الألباني.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحمى كير من كير جهنم ، فنحوها عنكم بالماء البارد. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وفي صحيح البخاري عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاورت بحراء, فلما قضيت جواري هبطت, فنوديت, فنظرت عن يميني فلم أر شيئا, ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا, ونظرت أمامي فلم أر شيئا, ونظرت خلفي فلم أر شيئا, فرفعت رأسي فرأيت شيئا, فأتيت خديجة, فقلت: دثروني, وصبوا علي ماء باردا, قال: فدثروني, وصبوا علي ماء باردا, قال: فنزلت: "يا أيها المدثر. قم فأنذر. وربك فكبر".
والله أعلم.