الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن الزنا من أفحش الذنوب, ومن أكبر الكبائر التي تجلب غضب الله، لكن مهما عظم الذنب فإن من سعة رحمة الله وعظيم كرمه أنه يقبل التوبة، بل إن الله يفرح بتوبة العبد, ويحب التوابين, ويبدل سيئاتهم حسنات.
والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب, والندم على فعله, والعزم على عدم العود إليه، مع الستر على النفس, وعدم المجاهرة بالذنب.
وإذا وقع الرجل في الفاحشة ثم تاب توبة صادقة، فقد زال عنه وصف الزنا, ولا حرج على المرأة في الزواج منه، قال ابن قدامة - رحمه الله - في كلامه على نكاح المرأة الزانية: وهي قبل التوبة في حكم الزنى، فإذا تابت زال ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له, وقوله: التوبة تمحو الحوبة.
أما إذا كان الرجل زانيا - والعياذ بالله - غير تائب، فإنه لا يكون كفؤا للمرأة العفيفة، قال ابن قدامة - رحمه الله -: وليس العبد كفئا لحرة, ولا الفاجر كفئا لعفيفة.
وإذا وقع الزوج في الزنا لم يؤثر ذلك على عصمة الزوجية، قال ابن قدامة - رحمه الله -: وإن زنت امرأة رجل، أو زنى زوجها، لم ينفسخ النكاح، سواء كان قبل الدخول, أو بعده، في قول عامة أهل العلم.
وتزويج المرأة بالزاني - مع أنه حرام, ولا يصح كما قال بعض أهل العلم, أو مكروه كما يقول البعض الآخر - لا يلزم منه أن تكون هي زانية, والمقصود بقول الله تعالى:الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين [النور : 3] كما ذكره بعض المفسرين: أن ذلك بمعنى نهي المسلم العفيف عن تزوج الزانية, ونهي المسلمة العفيفة عن تزوج الزاني، وذكر بعضهم أن النكاح هنا بمعنى الجماع, وليس الزواج, ومعنى الآية: أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة، وانظري التفصيل في الفتوى رقم: 5662.
وننبه إلى أن الواجب على من وقع في معصية أن يستر على نفسه, ولا يخبر بها أحدا؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس, قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله: من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله, فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه مالك في الموطأ.
قال ابن عبد البر: وفيه أيضا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة.
والله أعلم.