السؤال
لدي استفسار بالنسبة للفتوى رقم: 34585 (وفيها ذكر شعب الإيمان): ما المقصود بالقيام بالإمرة مع العدل، ومتابعة الجماعة؟
جزاكم الله خيرا.
لدي استفسار بالنسبة للفتوى رقم: 34585 (وفيها ذكر شعب الإيمان): ما المقصود بالقيام بالإمرة مع العدل، ومتابعة الجماعة؟
جزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى القيام بالإمرة مع العدل، هو أن يكون الأمير عادلا يحكم بالحق بعيدا عن الهوى.
فقد قال أبو السعادات الجزري في كتابه: النهاية في غريب الحديث والأثر: العدل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم. وهو في الأصل مصدر سمي به، فوضع موضع العادل، وهو أبلغ منه؛ لأنه جعل المسمى نفسه عدلا. انتهى.
فمن الخصال الإيمانية العظيمة العدل في الحكم بين الناس، كما قال تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل [النساء:58]. وقال تعالى مخاطبا نبيه داود عليه الصلاة والسلام: يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله[ص:26].
وأما متابعة الجماعة، فيعني بها تمسك المسلم بما عليه أهل الحق، فقد وردت نصوص كثيرة في الحث على الجماعة، ونبذ الفرقة نحو قوله صلى الله عليه وسلم: يد الله مع الجماعة. رواه الترمذي عن ابن عباس، وعنه أيضا من خطبة لعمر- رضي الله عنه- قال: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد.
وللعلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ كلام نفيس جدا يبين فيه معنى الأمر بلزوم الجماعة، وأن المراد به الجماعة الأولى قبل أن يبدل الناس ويغيروا، وهي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمن سار على هذه الجادة فهم الجماعة ولو قلوا أو خالفهم الكثير من الناس.
يقول الإمام المحقق رحمه الله: واعلم أن الإجماع، والحجة، والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق، وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض. قال عمرو بن ميمون الأودي: صحبت معاذا باليمن، فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت من بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود فسمعته يقول: عليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة. ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول: سيولى عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها، فهي الفريضة، وصلوا معهم فإنها لكم نافلة. قال: قلت: يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثون، قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها، ثم تقول لي: صل الصلاة وحدك وهي الفريضة، وصل مع الجماعة وهي نافلة، قال: يا عمرو بن ميمون: قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، أتدري ما الجماعة؟ قلت: لا، قال: إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. وفي لفظ آخر: فضرب على فخذي وقال: ويحك، إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى. انتهى.
والله أعلم.