السؤال
رجل اشترى بالأجل من تاجر للجملة كمية كبيرة من البيرة، ثم مات التاجر قبل أن يسدد له الثمن المتفق عليه، وقد تاب هذا الرجل من بيع البيرة بعد وفاة التاجر حين تيقن حرمتها، فهل يجب عليه الآن سداد الثمن إلى الورثة؟ أم لا يلزمه ذلك بسبب بطلان عقد البيع بينه وبين التاجر؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبيرة المسكرة محرمة والمتاجرة فيها كذلك, كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي رواه أحمد ولفظه: ... وإن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه. وصححه الأرناؤوط.
وفي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. رواه البخاري.
فهذه النصوص ونحوها فيها دليل واضح صريح على تحريم التجارة في الخمر خصوصا والمسكرات عموما، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام. رواه البخاري.
وعليه، فليس للورثة من ثمن البيرة المسكرة حق تجاه هذا المشتري، وما اكتسبه من مال ببيع البيرة فعليه أن يتخلص منه في مصالح المسلمين العامة أو الفقراء والمساكين كما هو مقرر في كل مال حرام أخذ من صاحبه برضاه واستوفى عوضه كمهر البغي وثمن الخمرة ولا يرد له كما قرره العلامة ابن القيم حيث قال: فإن قيل: فما تقولون في كسب الزانية إذا قبضته ثم تابت، هل يجب عليها رد ما قبضته إلى أربابه أم يطيب لها؟ أم تتصدق به؟ إن كان المقبوض برضى الدافع، وقد استوفى عوضه المحرم كمن عاوض على خمر أو خنزير أو على زنى أو فاحشة، فهذا لا يجب رد العوض على الدافع، لأنه أخرجه باختياره واستوفى عوضه المحرم، فلا يجوز أن يجمع له بين العوض والمعوض عنه، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان، وتيسيرا لأصحاب المعاصي، وماذا يريد الزاني وصاحب الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضه ويسترد ماله؟ فهذا مما تصان الشريعة عن الإتيان به ولا يسوغ القول به، وهو يتضمن الجمع بين الظلم والفاحشة والغدر، ومن أقبح القبح أن يستوفي عوضه من المزني بها ثم يرجع فيما أعطاه قهرا، وقبح هذا مستقر في فطر جميع العقلاء فلا تأتي به شريعة، ولكن لا يطيب للقابض أكله، بل هو خبيث، كما حكم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن خبثه لخبث مكسبه لا لظلم من أخذ منه، فطريق التخلص منه وتمام التوبة بالصدقة.
والله أعلم.