السؤال
ما هي قصة الغرانيق؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأصل القصة -كما يذكرها بعض المفسرين- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما شق عليه إعراض قومه عنه، تمنى ألا ينزل عليه شيء ينفرهم عنه، لحرصه على إيمانهم، فكان ذات يوم جالسا في ناد من أنديتهم، وقد نزل عليه سورة: والنجم إذا هوى. فأخذ يقرأها عليهم حتى بلغ قوله تعالى: أفرأيتم اللات والعزى* ومناة الثالثة الأخرى [لنجم].
وكان ذلك التمني في نفسه، فجرى على لسانه بما ألقاه الشيطان عليه.. تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى، فلما سمعت قريش ذلك، فرحوا، ومضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قراءته حتى ختم السورة، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي من المسلمين والمشركين، فتفرقت قريش مسرورين بذلك وقالوا: ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر.
فأتاه جبريل فقال: ما صنعت تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله! فحزن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وخاف خوفا شديدا، فأنزل الله عليه: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم [الحج:52].
قال الإمام الشوكاني بعد أن ساق هذه القصة بكاملها في تفسيره: ولم يصح شيء من هذا، ولا ثبت بوجه من الوجوه، ومع عدم صحته بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه، قال الله: ولو تقول علينا بعض الأقاويل- لأخذنا منه باليمين- ثم لقطعنا منه الوتين. وقوله: وما ينطق عن الهوى. وقوله: ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم. فنفى المقاربة للركون فضلا عن الركون.
قال البزار: هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل.
وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم.
وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: إن هذه القصة من وضع الزنادقة.
قال القاضي عياض في الشفا: إن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه، لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا. اهـ.
وبكلام هؤلاء الأئمة الأعلام يتضح بحمد الله تعالى -للسائل وغيره- زيف وبطلان هذه القصة، وأنها من دسائس اليهود وحقدهم على هذا الدين ومحاولاتهم الدؤوبة للنيل من الإسلام ومن رسوله -صلى الله عليه وسلم-: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون [التوبة:32].
والله أعلم.