السؤال
الموضوع : طلب فتوى المكرم/ حفظه الله.
إنني أحد حجاب"سدنة " بيت الله الحرام، بني شيبة، الذين أكرمهم الله سبحانه وتعالى بالسدانة (حجابة الكعبة) منذ القدم. ومن منطلق حرصنا واهتمامنا بما أكرمنا الله به، فإننا نطرح تساؤلا عن الكسوة، والهدايا المخصصة للكعبة المشرفة: هل هي صدقات أو حق شرعي من حقوق الحجابة "السدنة " للكعبة المشرفة إنفاذا لقوله صلى الله عليه وسلم: يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف. أو كما قال. وما يدفعنا للتساؤل والبحث أنه حتى تاريخه، لا توجد فتوى صريحة تحدد حقوق السدنة في الكسوة والهدايا, فقد كان آباؤنا وأجدادنا منذ القدم يتصرفون في كسوة الكعبة القديمة "بعد تبديلها بالكسوة الجديدة " فيتم بيعها أو إهداؤها، وكذلك ما يصل إليهم من هدايا وعطاءات من ذوي الفضل عندما يدخلون الكعبة المشرفة "دون الطلب المسبق "ويأخذ السدنة ما يصل إليهم من مال ويتقاسمونه بينهم بالتساوي مستندين على التالي:- جاء في الحديث : " خذوها، يعني حجابة الكعبة، يا بني طلحة، خالدة، تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم " الطبراني في الكبير، والأوسط من حديث عبد الله بن المؤمل، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس مرفوعا، وابن المؤمل وثقه ابن معين في رواية، وابن حبان وقال: يخطئ، وضعفه آخرون. وعن مصعب الزبيري أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى شيبة، وعثمان بن طلحة مفتاح الكعبة، وقال: خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إلا ظالم. ولابن سعد من طريق عثمان بن طلحة، أنه عليه السلام قال له يوم الفتح: ائتني بالمفتاح، فأتيته به، فأخذه مني، ثم دفعه إلي. وقال: خذوها تالدة، خالدة، ولا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف. وللأزرقي عن جده، عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. سورة النساء، آية85. قال: نزلت في عثمان بن طلحة حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة، ودخل به الكعبة يوم الفتح، فخرج صلى الله عليه وسلم وهو يتلو هذه الآية. فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح، وقال صلى الله عليه وسلم: خذوها يا بني طلحة بأمانة الله سبحانه، لا ينزعها منكم إلا ظالم. وفي حدود علمي القاصر أن هذا ما جاء في الكتاب والسنة من حيث النص، وتظل الفتوى والفتيا هي ذكر الحكم الشرعي المسؤول عنه للسائل.
فأرجو إعطائي الفتوى، والفتيا الشافية في هذا الموضوع؛ لأضمن بأننا نأكل من حق سخره الله عز وجل لهذه الأسرة, وليس من الصدقات.
حفظكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما يعطاه بنو شيبة من الهبات، والعطايا فلا حرج في أخذها إن كانت بذلت طوعا على سبيل التبرع والبر والصلة ونحو ذلك، ولا يجوز أخذها إن كانت على سبيل المشارطة والمثامنة كالأجرة.
وقد جاء في فتاوى ابن عليش المالكي سؤال صورته: ما قولكم فيما يعطى لسدنة الكعبة المشرفة الذين خصهم الله سبحانه وتعالى بها، وقد جرت عادتهم بحيازة رئيسهم المفتاح، وتوليه الفتح والغلق، واستلام ما يصل إليهم من البيت، فهل يختص به أم لا؟ وإذا قلتم لا فهل يسوى صغيرهم بكبيرهم، وأنثاهم بذكرهم، أو يخص ذكورهم، وقد جرت عادتهم بقسمة ما يصل إليهم به على جميعهم، وزيادة الرئيس سهما في نظير حفظه المفتاح، ومباشرته الفتح والغلق. فهل له أخذ زائد على ذلك منه، والاختصاص بما يعطاه لتلك الولاية، أو ليس له إلا ما اعتادوه في القسمة، ولو قال المعطي: إنه له خاصة لجهله الشرع والعادة؟
فأجاب الشيخ أحمد دحلان رئيس مدرسي المسجد الحرام، ومفتي الشافعية بجواب مفصل، جاء فيه: اتفق العلماء على أن حجابة الكعبة المشرفة لبني طلحة، لا يجوز انتزاعها منهم، ولا مشاركتهم فيها، وعلى أن ما يحصل لهم بها من البر والصلة كذلك، ومقتضى الأحاديث تسويتهم فيه، وتخصيص ذكورهم، ولكن حيث تراضوا على زيادة رئيسهم سهما، وإعطاء نسائهم، فلا بأس بذلك؛ لأنه معروف وصلة، ولا يجوز لرئيسهم أخذ شيء زائد على ذلك الذي تراضوا عليه مما يأتيهم على سبيل الصلة والعطية، ويكون جميعه مشتركا بينهم، ولو صرح المعطي بأنه لرئيسهم خاصة؛ لأن السهم الذي زادوه له أجرة على حفظه المفتاح، وفتحه وغلقه وغيرها من خدمة البيت، فلا يجوز له الأخذ عليه بوجه آخر؛ لأن إعطاءه إنما كان لهذه الخدمة ولولاها ما أعطي شيئا. وأذكر نصوص العلماء المتعلقة بسدانة البيت المعظم ليعلم منها الجواب عن السؤال بتمامه. اهـ.
ثم ساق طائفة حسنة من النقول عن أهل العلم على اختلاف مذاهبهم.
ومما جاء فيه: وفي تتمة الفتاوى عن محمد صاحب أبي حنيفة- رضي الله سبحانه وتعالى عنهما-: من أعطي شيئا منه، فإن كان له ثمن فلا يأخذه، وإلا فلا بأس به.
وفي منظومة الطوسي:
وما على الكعبة من لباس ... إن رث جاز بيعه للناس.
ولا يجوز أخذه بلا ثمن للأغنياء ولا للفقراء.
وقال قطب الدين الحنفي: الظاهر أنها إن كانت من السلطان فأمرها يرجع إليه يعطيها لمن يشاء، وإن كانت من الأوقاف فهي على شرط الواقف، وإن جهل عمل فيها بما اعتيد، وقد جرت عادة بني شيبة بأخذها، فيبقون على عادتهم. اهـ. فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك.
وقال الزرقاني في شرح المواهب اللدنية، عند شرح حديث: يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت.
قال: أي: بسبب خدمته على سبيل التبرع، والبر. اهـ.
وقال الكتاني في (التراتيب الإدارية): قال المحب الطبري في الباب الثامن والعشرين، من كتاب القرى: ربما تعلق بعض الجهال به في جواز أخذ الأجر على دخول الكعبة، ولا خلاف في تحريمه، وأنه من أشنع البدع. وهذا ـ أي قوله: "فكلوا مما يصل" ـ إن صح احتمل أن معناه ما يأخذونه من بيت المال على خدمته، والقيام بمصالحه، ولا يحل لهم إلا قدر ما يستحقونه، وما يقصدون به من البر والصلة على وجه التبرر بهم، فلهم أخذه، وفي ذلك أكل بالمعروف". وحكى على هذا الزرقاني في شرح المختصر الإجماع. اهـ.
وأما أمر الكسوة، فللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحث منشور في العدد السادس والخمسين من (مجلة البحوث الإسلامية) عن كسوة الكعبة المشرفة، فيه نقول عن بعض شراح الحديث، وبعض المؤرخين، وبعض فقهاء المذاهب، مما يتعلق بهذا الموضوع، وجاء في خلاصة هذا البحث في آخره ما نصه:
ومما تقدم يستنتج ما يأتي:
أ- أن عمل السلف -رضي الله عنهم- في كسوة الكعبة المشرفة إذا استغني عنها، هو توزيعها على جهة بر؛ للانتفاع بها، كأية وقف على بر استغنت عنه جهته .. اهـ.
والله أعلم.