السؤال
الرحمن من الرحمة، ومن معانيها الضعف، ولكن الله هو القوي، فهنا تعارض, كيف نفينا عن الله عز وجل الضعف، وأثبتنا القوة؟
أرجو إثبات الحق بالدليل. وجزاكم الله خيرا.
الرحمن من الرحمة، ومن معانيها الضعف، ولكن الله هو القوي، فهنا تعارض, كيف نفينا عن الله عز وجل الضعف، وأثبتنا القوة؟
أرجو إثبات الحق بالدليل. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل كما وصف نفسه بقوله: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير {الشورى:11}.
فكما أن الله سبحانه وتعالى لا يشبهه أحد في ذاته، فكذلك لا يشبهه أحد في صفاته.
وأهل السنة والجماعة يثبتون لله جل وعلا ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. وهذا هو موقف السلف الصالح من صدر هذه الأمة، وهم الصحابة الذين هم خير القرون والتابعون لهم بإحسان، وأئمة الهدى من بعدهم.
وهذا هو معتقدنا في جميع صفات الله عز وجل، فنثبتها لله عز وجل، ونفوض كيفيتها إليه سبحانه.
ومن ذلك صفة الرحمة، فنثبتها لله تعالى على الوجه اللائق بجلاله، ونؤمن بأنها لا تشبه رحمة المخلوقين، فإذا كانت صفة الرحمة أو غيرها تستلزم نقصا ما في حقنا، فإنها لا تستلزمه في حق الله جل جلاله؛ لأنه ليس كمثله شيء، وإلا للزم نفي سائر الصفات عن الله تعالى لكونها مقترنة في حق المخلوقين بالحاجة، والحدوث والإمكان، وهذا باطل.
ثم إن صفة الرحمة من صفات الكمال، بخلاف الضعف، ولا نسلم بأن الضعف من معاني الرحمة، وإن ظن البعض ذلك لاقترانهما في حق كثير من الناس، مع أنهما متغايران من حيث الأصل.
وننقل لك كلاما نفسيا في ذلك لشيخ الإسلام ابن تيمية.
قال رحمه الله: وأما قول القائل: " الرحمة " ضعف وخور في الطبيعة، وتألم على المرحوم، فهذا باطل .
أما " أولا " : فلأن الضعف والخور مذموم من الآدميين، والرحمة ممدوحة؛ وقد قال تعالى: { وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة }. وقد نهى الله عباده عن الوهن والحزن؛ فقال تعالى: { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين }. وندبهم إلى الرحمة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: { لا تنزع الرحمة إلا من شقي }. وقال: { من لا يرحم لا يرحم }. وقال: { الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء }. ومحال أن يقول: لا ينزع الضعف والخور إلا من شقي؛ ولكن لما كانت الرحمة تقارن في حق كثير من الناس الضعف والخور - كما في رحمة النساء ونحو ذلك - ظن الغالط أنها كذلك مطلقا. وأيضا: فلو قدر أنها في حق المخلوقين مستلزمة لذلك، لم يجب أن تكون في حق الله تعالى مستلزمة لذلك، كما أن العلم والقدرة، والسمع والبصر، والكلام فينا يستلزم من النقص والحاجة ما يجب تنزيه الله عنه. وكذلك " الوجود " و " القيام بالنفس " فينا يستلزم احتياجا إلى خالق يجعلنا موجودين، والله منزه في وجوده عما يحتاج إليه وجودنا، فنحن وصفاتنا، وأفعالنا مقرونون بالحاجة إلى الغير، والحاجة لنا أمر ذاتي لا يمكن أن نخلو عنه، وهو سبحانه الغنى له أمر ذاتي لا يمكن أن يخلو عنه؛ فهو بنفسه حي قيوم، واجب الوجود، ونحن بأنفسنا محتاجون فقراء. فإذا كانت ذاتنا وصفاتنا، وأفعالنا، وما اتصفنا به من الكمال من العلم والقدرة وغير ذلك هو مقرون بالحاجة والحدوث والإمكان، لم يجب أن يكون لله ذات، ولا صفات، ولا أفعال ولا يقدر ولا يعلم؛ لكون ذلك ملازما للحاجة فينا. فكذلك " الرحمة " وغيرها إذا قدر أنها في حقنا ملازمة للحاجة والضعف؛ لم يجب أن تكون في حق الله ملازمة لذلك. وأيضا: فنحن نعلم بالاضطرار أنا إذا فرضنا موجودين أحدهما يرحم غيره، فيجلب له المنفعة ويدفع عنه المضرة؛ والآخر قد استوى عنده هذا وهذا، وليس عنده ما يقتضي جلب منفعة ولا دفع مضرة، كان الأول أكمل. اهـ.
والله أعلم.