السؤال
قتل والدي قبل عشرين عاما، وقد خرج القاتل الآن من السجن، فهل يجوز لي القصاص منه؟ أم أصبر؟ وصراحة أنا مبيت النية على القصاص بعد انتهاء الأشهر الحرم، وما هي عقوبة من قام بطعن إنسان بسكين متعمدا دون أي ذنب؟ وهل تعد محاولة قتل؟ أفيدونا - بارك الله فيكم -.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرحم والدك، وأن يصلح أحوال المسلمين، ويؤمنهم، ويكف عنهم شر أهل الفساد.
وننبهك إلى أن القاتل يشرع دفعه عند إرادته الظلم والقتل بما يندفع به، ولو أدى ذلك لقتله؛ لأنه صائل، ففي منار السبيل لابن ضويان: ومن أريد بأذى في نفسه، أو ماله، أو حريمه دفعه بالأسهل فالأسهل، فإن اندفع بالأسهل حرم الأصعب؛ لعدم الحاجة إليه، فإن لم يندفع إلا بالقتل قتله، ولا شيء عليه، وإن قتل المصول عليه كان شهيدا؛ لحديث أبي هريرة: جاء رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار، رواه أحمد، ومسلم. انتهى.
أما في غير وقت اعتدائه وصولته: فلا يجوز أن يقتله إلا السلطان، أو نائبه.
ولا يجوز للولد أن يقتص لنفسه، ولا يجوز لعامة الناس أن تقيم الحد على القاتل، بل يرفعون أمره للسلطات، فقد قال القرطبي في تفسيره: لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص، وإقامة الحدود، وغير ذلك؛ لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص، وغيره من الحدود. انتهى.
وأما عن طعن شخص لآخر بسكين عامدا ظالما: فهو محرم.
وأما عن كونها محاولة للقتل: فهذا ينظر فيه لنية الفاعل.
وأما عن عقابه: فيقتص منه بقدر ظلمه بعد برء الجراح، إن لم يعف المظلوم، ولا يقوم بذلك إلا السلطان، أو نائبه، فقد قال الله سبحانه: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون.
وقال: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين { الشورى: 40}.
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان .. يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنة، ويندب إلى الإحسان، كما قال تعالى: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ـ وقال: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله ـ وقال: والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ـ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذا، من شرعية العدل، والندب إلى الفضل. اهـ.
وقال الشوكاني في فتح القدير: هذا الانتصار مشروط بالاقتصار على ما جعله الله له، وعدم مجاوزته، كما بينه سبحانه عقب هذا بقوله: وجزاء سيئة سيئة مثلها ـ فبين سبحانه أن العدل في الانتصار هو الاقتصار على المساواة، وظاهر هذا العموم. اهـ.
ويجب أن ينتظر بالقصاص برء المجني عليه؛ حتى يعلم قدر الجناية، ويقتص من الجاني بقدرها؛ ويدل لذلك ما في الحديث: أن رجلا طعن بقرن في ركبته، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أقدني، فقال: حتى تبرأ، ثم جاء إليه، فقال: أقدني، فأقاده، ثم جاء إليه، فقال: يا رسول الله، عرجت، فقال: قد نهيتك فعصيتني، فأبعدك الله، وبطل عرجك، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح؛ حتى يبرأ صاحبه. رواه أحمد، والدارقطني، وصححه الألباني.
وراجع الفتوى رقم: 197861.
والله أعلم.