السؤال
هل يجوز أن آخذ عمولة على معاملة، وهي عمل إقامة للذين جلسوا فترة في البلد مخالفين بعد انتهاء إقامتهم، ولكنني أقوم بتوفير المعاملة لهم بسعر أقل عن طريق أحد الموظفين في مكتب الهجرة بطرق ملتوية؟ ولا أدري إن كان الموظف سيأخذ المال كرشوة له أو لغيره، والفائدة من هذه المعاملة التي أقوم بتوفيرها أن المقيم في البلد كالطالب مثلا يمكنه توفير الكثير من المال في حال وقع في مشكلة المخالفة للإقامة على كل حال، ولا مناص من دفع المخالفة، فبدلا من دفع مخالفة ضخمة يدفع مبلغا أقل فيتم تعديل وضعه ـ بإذن الله تعالى ـ ومعاملة الإقامة التي يفرضها البلد أصلا غير جائزة شرعا ـ كما أعلم ـ إذ إنني مسلم أقيم في بلد من أرض الإسلام، وهذه الدولة أصلا لا تطبق الشريعة وقانونها وضعي؟ ألا يمكن في هذه الحالة استخدام القاعدة الأصولية: دفع أعظم المفسدتين ولو باحتمال أدناهما، وجلب أعظم المصلحتين ولو بفوات أدناهما؟ وهل يجب إعلام كلا الطرفين ـ الشخص الذي يريد تعديل وضعه، والموظف ـ بمقدار أو نسبة العمولة أو أحدهما أم لا يجب إعلام أحد؟ وحتى إن كانت هذه المعاملة غير جائزة شرعا، فهل في أي معاملة أخرى جائزة شرعا يجب إعلام أحد أو كل من الطرفين في حال كنت أنا الوسيط؟.
وجزاكم الله تعالى خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنبين لكم الجواب في ثلاث نقاط:
1ـ موظف الهجرة أجير خاص وهو أمين على تطبيق نظام الهجرة وقوانينها بمقتضى عقد العمل، وإذا سلك الطرق الملتوية لتخليص المعاملات كان خائنا للأمانة سواء كانت الخيانة لرشوة أم لواسطة أم مجانا، وعليه؛ فلا تجوز هذه المعاملة المذكورة في السؤال لما تتضمنه من الخيانة والرشوة والاحتيال، وكل ذلك مفسدة ظاهرة.
2ـ الغرامة التي تفرضها الدولة على المخالفين لأنظمة الإقامة بابها باب التعزيزات المالية, وفي جوزها خلاف بين أهل العلم، وقد نصر القول بصحتها شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع، وابن القيم في الطرق الحكمية وذكر أنه مذهب مالك وأحمد في مواضع مخصوصة، وأحد قولي الشافعي، وهو اختيار مجمع الفقه الإسلامي الدولي, وكون الدولة لا تطبق الشريعة لا يعني أن كل أحكامها غير مرعية، لاسيما ما يتعلق بالتنظيمات الإدارية للأفراد والمؤسسات ووسائل النقل القائمة على أساس رعاية المصالح العامة، فإذا تقرر هذا الأمران اتضح أن المسألة من باب تعارض المصلحة والمفسدة لا من باب التعارض بين المفسدتين.
3ـ وهذه المعاملة من باب السمسرة وحقيقتها عقد جعالة، ويشترط لصحته ـ غير ما تقدم من إباحة العمل المجاعل عليه ـ أن تكون العمولة محددة منعا للغرر، وأن يعلم بها الطرف الذي ستؤخذ منه، ولا علاقة للطرف الآخر عندئذ، لأنه لا يحل مال المسلم إلا بطيب نفسه منه، وللمزيد في بيان الشرطين وأدلة مشروعية السمسرة انظر الفتويين رقم: 190079، 222859، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.