السؤال
وجدت أحاديث في صحيح البخاري بعضها أخرجه متصلا وبعضها معلقا، والعيب ليس في السند، وإنما في المتن، فالبخاري ـ رحمه الله ـ أحيانا لا يذكر النص، وإنما يسقط منه، مثاله: ما رواه عن زر بن حبيش سألت أبي بن كعب: قلت: يا أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا؟ فقال أبي: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: قيل لي، فقلت، قال: فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وفي مسند الحميدي مذكور: أن أخاك ابن مسعود يحك المعوذتين من المصحف ـ وحديث آخر عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت ألا يعجبك أبو فلان، جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك، وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم ـ رواه معلقا، وعند مسلم وأحمد وأبو داود وأبو هريرة، والسؤال هو: ـ أنا ـ ولله الحمد ـ من أهل السنة والجماعة من مذهب أحمد أحب من يشرح السنة بدون استثناء، وأحب البخاري ومسلما وكلهم لما قدموا للأمة ـ جزاهم الله خيرا ـ ولكن ماذا عن هذه الأحاديث؟ وهل البخاري ـ رحمه الله ـ أسقط الألفاظ وذكرها غيره؟ أم إن الذين يطبعون تلاعبوا فيه؟ أم إنها ليست على شرط البخاري؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما وقع في الحديثين اللذين ذكرتهما في سؤالك ليس إسقاطا للألفاظ، ولا تلاعبا بها، ولا قدحا في صحتها، وإنما هو إبهام لها، وهذا الإبهام ليس من صنيع البخاري ولا من يطبعون الكتب، وإنما هو من رواة السند، فأما الحديث الأول: فقد تكلم عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني، وبين أن الذي أبهم ذلك إنما هو أحد رواة الحديث وليس البخاري، مستدلا على ذلك بوقوعه مبهما عند غير البخاري من طريق نفس ذلك الراوي، وكأن الذي دفعه إلى ذلك هو استعظام ما فعله ابن مسعود من حكه سور القرآن العظيم، قال ابن حجر في فتح الباري: قوله: يقول كذا وكذا ـ هكذا وقع هذا اللفظ مبهما, وكأن بعض الرواة أبهمه استعظاما له، وأظن ذلك من سفيان، فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإبهام, كنت أظن أولا أن الذي أبهمه البخاري، لأنني رأيت التصريح به في رواية أحمد عن سفيان، ولفظه: قلت لأبي إن أخاك يحكها من المصحف ـ وكذا أخرجه الحميدي عن سفيان، ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج، وكأن سفيان كان تارة يصرح بذلك وتارة يبهمه، وقد أخرجه أحمد أيضا وابن حبان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ: إن عبد الله بن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ـ وأخرج أحمد عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بلفظ: إن عبد الله يقول في المعوذتين ـ وهذا أيضا فيه إبهام... إلخ كلامه رحمه الله.
وراجع بشأن ما فعله ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فتوانا رقم: 169443، وما أحيل عليه فيها.
وأما قول عائشة في الحديث الآخر: أبو فلان ـ فقال ابن الجوزي: أبو فلان تريد به أبا هريرة.
فالظاهر أن الرواة الذين صرحوا بذكر كنيته قد رووا كلامها بالمعنى، وهذا لا حرج فيه، فإن جمهور السلف والخلف على جواز رواية الحديث بالمعنى إذا كان الراوي عارفا بدقائق الألفاظ بصيرا بمقدار التفاوت بينها خبيرا بما يحيل معانيها وانظر الفتوى رقم: 124077، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.