السؤال
شيخي الكريم: ما حكم شخص قال لنفسه، لما حدثته بمعصية: الله أحب إلي. ثم غلبته نفسه، وفعلها.
هل يكفر بذلك والعياذ بالله؟
جزاكم الله خيرا.
شيخي الكريم: ما حكم شخص قال لنفسه، لما حدثته بمعصية: الله أحب إلي. ثم غلبته نفسه، وفعلها.
هل يكفر بذلك والعياذ بالله؟
جزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك حب الله تعالى، فمن الفروض الواجبة علينا حبه سبحانه وتعالى أكثر من حبنا لجميع ما سواه؛ فقد قال الله تعالى: والذين آمنوا أشد حبا لله {البقرة:165}، وقال تعالى: قل إن كان آباؤكم وأبنآؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين {التوبة:24}.
قال القرطبي في التفسير: وفي الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله، ولا خلاف في ذلك بين الأمة، وأن ذلك مقدم على كل محبوب. اهـ
وقال السعدي في التفسير: وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد، على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من الله ورسوله. اهـ.
وعلامة صدق هذه المحبة هو تقديم محاب الله، وطاعته على أهواء النفوس ومحابها.
قال صاحب (معارج القبول): أخبرنا الله عز وجل أن عباده المؤمنين أشد حبا له؛ وذلك لأنهم لم يشركوا معه في محبته أحدا كما فعل مدعو محبته من المشركين الذين اتخذوا من دونه أندادا يحبونهم كحبه، وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله، ومعاداة من عاداه، واتباع رسوله صلى الله عليه و سلم واقتفاء أثره، وقبول هداه، وكل هذه العلامات شروط في المحبة لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها. اهـ.
وعلى الإنسان إذا راودته نفسه على العصيان أن يدافع ذلك باستحضار الخوف من الله، وتذكر نظر الله واطلاعه، فيستحي من الله عز وجل، وينكف عن المعصية.
قال الراغب الأصبهاني: والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة: البشر: وهم أكثر من يستحي منه، ثم نفسه، ثم الله عز وجل، ومن استحيا من الناس ولم يستح من نفسه، فنفسه عنده أخس من غيره، ومن استحيا منهما ولم يستح من الله، فلعدم معرفته بالله عز وجل، فإن الإنسان يستحي ممن يعظمه ويعلم أنه يراه، أو يسمع نجواه فيبكته، ومن لا يعرف الله فكيف يستعظمه، وكيف يعلم أنه مطلع عليه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حق الحياء ـ في ضمنه حث على معرفته، وقال تعالى: ألم يعلم بأن الله يرى ـ تنبيها على أن العبد إذا علم أن الله يراه استحيا من ارتكاب الذنب، وقد سئل الجنيد ـ رحمه الله ـ عما يتولد منه الحياء من الله تعالى، فقال: رؤية العبد آلاء الله عليه، ورؤية تقصيره في شكره. اهـ.
ولو أنه ضعفت نفسك وغلبك هواك حتى وقعت في المعصية، فبادر بالتوبة الصادقة، والاستغفار، مع العزم على عدم العود. فهذه صفة المتقين؛ كما قال تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين {آل عمران: 133- 136}.
وأبشر بوعد الله تعالى للتائبين الصادقين بقبول التوبة فقد قال الله تعالى: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى {طه: 82} وقال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر: 53} ويقول جل وعلا: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون {الشورى :25}. وقال الله تعالى: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين {البقرة: 222}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي, فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب, ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي, فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب, ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي, فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
قال النووي: معناه: ما دمت تذنب ثم تتوب، غفرت لك. اهـ.
وقال النووي أيضا في باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة: هذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها، وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر، وتاب في كل مرة، قبلت توبته، وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته. اهـ.
وأما وقوعك في المعصية وحبك لها، فلا يقع به الكفر ولا يفيد بالضرورة أن المعصية أحب إليك من الله تعالى؛ لأن العصاة لا يعصي كثير منهم إلا بسبب غلبة الهوى والحب لتلك الشهوة المحرمة، ولكنهم لا يكفرون بذلك.
والله أعلم.