السؤال
السؤال يتعلق بالزكاة.
منذ حوالي خمس سنوات، تم إيداع وديعة باسمي في أحد البنوك بمبلغ معين في حساب للاستثمار، بحيث يكون العائد السنوي الاستثماري لهذه الوديعة لا يتم تحديد قيمته إلا في آخر العام، وليس له حد أدنى معين، وهذه الوديعة لم يكن لي حق التصرف فيها طوال السنوات الخمس الماضية، يعني لم يكن لي الحق في سحب أي مبلغ مالي منها؛ لأنها كانت تشترط عدم التصرف في قيمة الوديعة إلا بعد التخرج من الدراسة الجامعية، ولكن كان يحق لي أخذ العائد السنوي الذي ذكرته، ومع ذلك لم آخذه؛ لأني لم أكن أعرف أن الوديعة لها عائد سنوي، وقد كنت أقوم بإخراج زكاة المال عن قيمة الوديعة نفسها، وما ينضم إليها من مال آخر أملكه، ويحول عليه الحول، ولم أكن أعرف بأمر هذا العائد السنوي.
وأريد أن أسأل الآن عدة أسئلة:
أولا: هل هذا العائد السنوي بالمواصفات التي ذكرتها يعتبر حلالا، على أساس أن قيمته لا تحدد إلا آخر العام حسب أرباح البنك، وليس لها حد أدنى معين. فهل هذا ربا؟
وهل أحتفظ بالمال في هذا البنك إن كان يقوم بالتعامل بالربا في معاملات أخرى؟
ثانيا: بخصوص الزكاة: فهل كانت الزكاة واجبة عن المال الذي لم يكن لي حق التصرف فيه؟ فقد قرأت أن المال الذي لا تستطيع التصرف فيه ليس فيه زكاة. فهل هذا صحيح؟
ثالثا: إن كان العائد السنوي هذا حلالا، فإنه تجب الزكاة عنه، ولكني لم أخرجها طوال خمس سنوات؛ لأني لم أكن أعلم بوجود هذا العائد. فهل علي إثم بهذا؟
رابعا: لو كانت الزكاة في قيمة الوديعة نفسها لا تجب؛ لأنني لا أملك التصرف فيها. فهل تكون الزكاة التي أخرجتها عنها كافية وتجزئ عن الزكاة عن قيمة العائد السنوي؟ علما بأن الزكاة عن الوديعة قيمتها أكبر طبعا من الزكاة الواجبة في العائد السنوي؛ لأن قيمة الوديعة أكبر بكثير.
وأعتذر جدا للإطالة. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فجوابنا عن سؤالك يتلخص فيما يلي:
أولا: أما عن سؤالك الأول ( هل العائد حلال ) فإننا فهمنا من سؤالك أن البنك الذي أودعت فيه تلك الوديعة بنك ربوي, وإذا كان الأمر كذلك، فإن ذلك العائد محرم؛ لأنه ربا في حقيقته, سواء حددت قيمته آخر العام أم أوله؛ لأن البنك الربوي لا يستثمر أموال العملاء الاستثمار الشرعي، وإنما يستثمرها في الأغلب في الإقراض مقابل فوائد، وهذا هو عين الربا المحرم، وعلى ذلك فما يوزعه من أرباح في آخر العام هو من تلك الفوائد الربوية. إضافة إلى أن التكييف الشرعي للودائع البنكية الربوية هو في حقيقته أن العميل مقرض للبنك بفائدة.
ثانيا: إذا تبين لك أن ذلك العائد محرم لكونه ربا، فإنه يلزمك أولا التوبة إلى الله تعالى مما وقعت فيه, ومن توبتك أن تقلع فورا عن هذه المعصية بالندم وبسحب أموالك من ذلك البنك الربوي, وإن لم تجد بنكا إسلاميا تودع فيه أموالك، وكنت تخشى عليها الضياع أو التلف، فاجعلها في حساب جار عند ذلك البنك بحيث لا تأخذ زيادة على الإيداع, ولا يجوز الإيداع في البنك الربوي في حال عدم الاضطرار ولو كانت بعض معاملاته مباحة؛ لما في ذلك من العون له على الإثم العدوان؛ وانظر الفتوى رقم: 110432.
ثالثا: يلزمك أن تتخلص من ذلك العائد بإنفاقه في وجوه الخير, ولا زكاة في ذلك العائد؛ لأنه مال محرم, وإنما تجب الزكاة في الوديعة نفسها دون ربحها المحرم؛ وانظر الفتوى رقم: 58820 عن الودائع المرهونة في البنوك هل فيها زكاة.
رابعا: لو فرض أن البنك لم يكن بنكا ربويا، بل إسلاميا ينضبط في معاملاته بالشريعة الإسلامية، فإن الزكاة تجب عليك في أصل المال المودع - إذا بلغ نصابا - مع العائد الناتج عنه؛ لأنه ربح له, ومن المعلوم أن الزكاة تجب في المال وما نتج عنه من ربح.
خامسا: ما دمت كنت تخرج زكاة أصل المال المودع فقد أحسنت, وكونك كنت غير قادر على أخذ المال، هذا لا يسقط وجوب الزكاة فيه عند توافر شروطها.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: تجب الزكاة في أرصدة الحسابات الاستثمارية، وفي أرباحها على أصحاب هذه الحسابات إذا تحققت فيها شروط الزكاة، سواء كانت طويلة الأجل أم قصيرة الأجل ولو لم يقع السحب من أرصدتها بتقييد من جهة الاستثمار، أو بتقييد من صاحب الحساب. اهـ.
ولا تأخذ حكم صاحب المال غير المقدور عليه،- والذي اختلف فيه الفقهاء هل يزكيه عند قبضه لكل السنين الماضية أم لسنة واحدة-؛ لأنك وضعت ذلك المال في البنك وأنت مختار، عالم بأنه سيمنعك من التصرف فيه.
والله تعالى أعلم.