السؤال
جاء في الدعاء أن نتعوذ من فتنة المحيا والممات.
فما الفرق بين المحيا والحياة، والممات والموت؛ لأن الحديث جاء بلفظي المحيا والممات، والنبي أفصح الناس؟
وجزاكم الله خيرا.
جاء في الدعاء أن نتعوذ من فتنة المحيا والممات.
فما الفرق بين المحيا والحياة، والممات والموت؛ لأن الحديث جاء بلفظي المحيا والممات، والنبي أفصح الناس؟
وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الألفاظ لم تجئ في السنة فحسب، بل هي ألفاظ قرآنية، كما في قوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } [الأنعام: 162] وقوله سبحانه: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } [الجاثية: 21].
والفرق بين المحيا والممات من جهة، وبين الحياة والموت من جهة أخرى، أن الأولين مصدران ميميان، والآخرين مصدران أصليان، والمصدر الميمي يعمل عمل المصدر الأصلي ويفيد معناه، مع قوة الدلالة وتأكيدها. كما قال الشيخ محمد النجار في (ضياء السالك) وكذا قال العلامة عباس حسن في (النحو الوافي) ففرق بين دلالتهما فقال: يمتاز الميمي بقوة دلالته وتأكيدها. اهـ.
وإلى قريب من هذا جنح الشيخ محمد أبو زهرة في (زهرة التفاسير) فقال: لا شك أن التعبير بالمصدر الميمي دون المصدر الأصلي له معنى يدركه السامع بذوقه، ولم نجد النحويين ولا البلاغيين تعرضوا لبيان التفرقة بين التعبير بالمصدر الميمي وغيره؛ والذي يتبدى لنا ونظنه تفرقة بينهما: أن المصدر الميمي يصور المعنى المصدري واقعا قائما متحققا في الوجود، أما المصدر غير الميمي فيصور المعنى مجردا. اهـ.
وفرق الدكتور فاضل السامرائي بينهما في كتاب (معاني الأبنية العربية) فقال: المصدر الميمي في الغالب يحمل معه عنصر الذات، بخلاف المصدر غير الميمي؛ فإنه حدث مجرد من كل شيء ... هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية: إن المصدر الميمي في كثير من التعبيرات يحمل معنى لا يحمله المصدر غير الميمي. فإن (المصير) مثلا يعني نهاية الأمر بخلاف الصيرورة ... ومثله (المآب) و(الإياب) فإن المآب يعني نهاية الأوب، وأما الإياب فإنه الرجوع ولا يعني منتهى الأوب .. ومثله المنقلب، والانقلاب فإن المنقلب يعني خاتمة الأمر وعاقبته، أما الانقلاب فإنه يعني التغير المعاكس. اهـ.
وقد نوزع الدكتور فاضل في ما قرره، وليس هذا محلا لتفصيل ذلك. وحسبنا ما تقدم من أن دلالة المصدر الميمي أقوى وآكد. ولعل ذلك يكون من حكمة التعبير عن عذاب الدنيا بالمصدر العادي، وعن عذاب الآخرة بالمصدر الميمي، في قوله تعالى: {إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} [الإسراء: 75] أي ضعف عذاب الدنيا، وضعف عذاب الآخرة، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وأبو الشعثاء وأكثر المفسرين.
وبخصوص لفظي المحيا والممات، فإنهما مع دلالتهما على الحدث أو المعنى المجرد، يدلان كذلك على الزمان والمكان.
قال ابن الأثير في (النهاية): المحيا مفعل من الحياة، ويقع على المصدر والزمان والمكان. اهـ.
وقال البعلي في (المطلع على ألفاظ المقنع): المحيا والممات: مفعل، من الحياة والموت، يقع على المصدر والزمان والمكان، وفتنة المحيا كثيرة، وفتنة الممات: فتنة القبر، وقيل: عند الاحتضار، والجمع بين فتنة المحيا والممات، وفتنة الدجال وعذاب القبر، من باب ذكر الخاص مع العام ونظائره كثيرة. اهـ.
والله أعلم.