السؤال
أنا نويت العمرة برفقة زوجتي، وأولادي، ووالد ووالدة زوجتي، وبحثت عن سكن لمدة أسبوعين، ولم أجد، فاستعنت بصديق لي للمساعدة في البحث عن السكن، وفعلا اتصل بأحد أقاربه، وأفاد بأنه سوف يجد سكنا - إن شاء الله - لكثرة معارفه، وبدأت أنتظر، واقترب وقت الرحلة، وقبل يومين من السفر اتصل بي، وقال: إنهم وجدوا سكنا، واستبشرت خيرا، ولكنه اتصل بي بعدها بيوم، وقال: إن السكن قد ألغي، وأنه سوف يبحث عن مكان آخر بعيد عن الحرم, وفي هذه الحالة فقدت الأمل، وراودتني فكرة إلغاء السفر, ولكني اتصلت بأحد الأصدقاء، وهو مدير إحدى المكاتب الاستشارية التي تعمل معنا في دائرتي الحكومية التي أعمل فيها، ولي علاقة عمل وصداقة معه منذ ست سنوات، فقال لي: سوف أجتهد وأبحث, وبعد ثلاث ساعات اتصل بي، وقال: إني وجدت سكنا أمام الحرم، وشكرته، وحلف علي أن لا أدفع شيئا للسكن، وقد تضايقت، ولكنه أصر على رأيه، وبعدها بوقت قليل اتصل علي زميلي الآخر، وقال: إنه وجد سكنا بعيدا عن الحرم، ولقرب الرحلة، ولأن معي كبارا في السن، ولكوني قد فقدت الثقة في كلامه بسبب إلغائه الحجز السابق اعتذرت منه، وذهبت للفندق الذي تم حجزه من قبل صديق العمل، ولكني تفاجأت أنه قد قام بحجز جناح لي، سعر الليلة فيه 11000 ريال؛ لمدة ثلاث ليال، فهل يلحقني إثم من سكني في هذا الفندق الذي قام بدفع تكاليفه الشخص المذكور أعلاه؟ علما أن ذلك لن يؤثر علي في مخافة الله في أداء عملي على أكمل وجه؟ فأفيدوني - جزاكم الله خيرا -.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مدير المكتب الاستشاري المذكور قد دفع لك أجرة الفندق - 33 ألف ريال - بسبب موقعك الوظيفي، وعلاقته بعملك: فهذا من هدايا العمال المحرمة، والتي لا يحل لك قبولها، بل الواجب عليك ردها عليه، ولا إثم عليك في السكن في الفندق ما دمت ستدفع إلى الشخص المذكور ما حجز به؛ لأن هدايا العمال لا تحل لهم، بل ترد على الذي أهداها لهم، كما قال الإمام النووي في تعليقه حديث ابن اللتبية في مسلم؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :هدايا العمال غلول. صححه الشيخ الألباني.
ولا أثر لكون العامل المهدى إليه يخاف الله في عمله، بل ذاك واجبه، ومن يخف الله حقا يقف عند حدوده وأحكامه.
وإن كان دفعه لك رغبة في الأجر والثواب، وتوددا للأصحاب؛ بحكم الصداقة السابقة بينكما، والتهادي العادي بينكما: فهذا من الإهداء المستحب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا.
والذي يكشف حقيقة الأمر هو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لما استعمل ابن اللتبية على الصدقة فأتاه بمال الصدقة فقال: هذا لكم، وهذا لي، أهدي لي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: "ما بال عامل أبعثه، فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه، أو في بيت أمه، حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر"، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ثم قال: اللهم، هل بلغت؟ مرتين. رواه مسلم. ولمزيد من تلمس الفوارق بين النوعين، واستجلاء الفارق بين القسمين من الهدايا المحرم منها، والمستحب، انظر الفتاوى التالية أرقامها: 121080 ، 5794، 62076، 8043 .
والله أعلم.