السؤال
جزاكم الله خير الجزاء، وأعتذر والله كثيرا عن الإطالة.
أبلغ من العمر 30 عاما، وعلى مشارف الـ 31، ولم أتزوج، وأتقي الله قدر استطاعتي، ويعلم الله بذلك -ولله الحمد- وبسبب ظروف عملي من عدم توفيق، لا أستطيع أن أتزوج زواجا عاديا بسبب التكاليف: المهر والذهب، والشقة، ومقابلات عائلية رسمية. و..و.. وإذا كان والدي هو الذي سيتحمل هذه الأعباء، فأريد أن أتزوج زواجا ليس فيه تكاليف، وسأوفر شقة لها بالإيجار -إن شاء الله- وأيضا النفقة بقدر استطاعتي. وسأوضح لمن سأتزوجها-إن شاء الله- أن هناك زواجا عاديا قد يكون في أي وقت، وأنا رجل، وأريد أن أعاشر امرأة في الحلال، وكفى صبرا على ما أنا فيه من عدم الزواج، وأريد أن أحصن نفسي، وفرجي بالحلال، في مصر المذهب السائد هو المذهب -الشافعي- كما عرفت. لكن الزواج يكون على مذهب -الحنفية- وهو بدون ولي.
أولا: إذا تم الزواج بدون ولي، فهي قد تتزوج من وراء أبيها أو أهلها ولن تقول لأحد. فما موقف الإسلام من هذا النكاح؟
ثانيا: إذ كان لا يجوز الزواج إلا بولي: هل يجوز أن تولي من يرضى بزواجها، فمثلا سمعت أنه إذا لم يرض أبوها. يجوز أن تولي شخصا آخر، ولكن يجب أن تكون له صلة بالأب. وإن لم يرض، تظل تبحث عن ولي. وهل هذه القرابة تلزم أن تكون من قريب؟ فهل يجوز أن تكون القرابة من بعيد؟ مثلا: أن يكون الولي عم والدها وليس عمها مباشرة، ثم سمعت أنها إن لم تجد وليا تذهب –للقاضي الشرعي- فما رأيكم في هذا الحل؟ ولكن سألت نفسي وقلت: إن المذهب السائد للزواج هو مذهب الحنفية. فما هي فائدة القاضي إذا. أريد الحل!!
وإذا لم أجد قاضيا أو لم يوجد قاض في مصر: هل يكفي شيخ مسجد أعرض عليه مسألتي، أو غيره ممن أحتسبهم على خير حتى يكون وليا لها؟
ثالثا: هل يكفي لصحة النكاح أن تبلغ المرأة وليها فقط أن هناك زواجا، ولكن بدون حضور الولي. وتبرأ ذمتها أمام الله تعالى. وتكون هي حاضرة بدل وليها؟ أم لا يلزم حضورها؛ لأنها قد أبلغت وليها أن هناك عقد نكاح؟ لكني أخشى أن تكذب وتقول إنها أبلغت وليها وهي لم تبلغه!!! أم أريح بالي وفؤادي يا إخوة وأتزوجها بدون ولي، محتجا بالمذهب الحنفي في بلدنا أمام الله تعالى، مع العلم أنني -غير مطمئن- للقول بجواز الزواج بدون ولي!!! ولكن هذا هو مذهب بلدنا في عقد النكاح.
رابعا: أعلم أن المهر واجب. فما رأيكم في تقديم خاتم ذهب لها كمهر. وهل يجوز أقل من ذلك كتقديم خاتم فضة. أو هل يجوز تقديم المهر على شكل مال؟ وهل هناك حد معين في تقديم المهر؟ أي إن المهر له حد معين لا يمكن أن يقل عن ذلك؟
أريد الرد سريعا. وتوضيح الأمر. جزاكم الله خيرا. وركزوا لي من فضلكم على (أولا) وهو أن تتزوج بدون علم وليها أو أهلها.
خامسا: سأقوم بوضع واقي ذكري –إذ أراد الله لي الزواج- وذلك اتقاء للحمل حتى لا تنجب أولادا.
فهل هذا يعتبر تعديا مني وذنبا ومقتا كبيرا أحاسب عليه؟ وإذا كان ذنبا فهل في مثل حالتي لا يعتبر ذنبا؛ لأني لا أريد أن أنجب منها. وفي نفس الوقت أريد أن أجامع امرأة في الحلال.
أرجو الاهتمام بأمري، وفقكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويوفقك إلى امرأة صالحة تتزوجها، تعف بها نفسك، وتصون بها دينك. والدعاء من أهم ما يحقق به المسلم مبتغاه، والله سبحانه قد وعد بإجابة من دعاه؛ قال تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون {البقرة:186}، فالجأ إلى ربك وتضرع إليه. وراجع الفتوى رقم: 119608 ففيها بيان آداب الدعاء. هذا أولا.
ثانيا: الولي شرط لصحة النكاح على الراجح، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء خلافا لأبي حنيفة؛ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 110722 ، وقد أوضحنا فيها أنه لا يجوز المصير إلى مذهب أبي حنيفة بقصد تتبع الرخص. وبناء على ما ذكرنا من رجحان اشتراط الولي، فإذا نكحت المرأة بغير إذن وليها، فنكاحها باطل كما نطقت به السنة الصحيحة. وقد ذكرت أنك غير مطمئن إلى القول بجواز النكاح بغير ولي، فكيف تلجأ للعمل بمذهب لا تطمئن إليه!
ثالثا: لا يكفي مجرد إعلام الفتاة وليها بأمر الزواج، بل لا بد من حضوره في مجلس العقد، أو حضور من ينيبه. وانظر الفتوى رقم: 167107. ولا اعتبار لحضور الفتاة في مجلس العقد من عدمه. وأولى من يتولى نكاح البنت أبوها، فلا يجوز أن يتولاه وليها الأبعد مع وجود الأقرب إلا لمعنى صحيح يقتضي ذلك كعضل وليها الأقرب لها، أي رفضه الخطاب لغير مسوغ شرعي. وذهب بعض العلماء إلى أنها عند عضل وليها لها، يزوجها القاضي الشرعي، وهذا أقوى، فتحقق العضل يحتاج إلى نظر، والقاضي أولى بذلك، هذا بالإضافة إلى أن حكمه أقطع للنزاع. ولمعرفة ترتيب الأولياء راجع الفتوى رقم: 129293.
رابعا: الصداق واجب في النكاح؛ لقوله تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم {النساء:24}، إلا أن ذكر المهر في العقد ليس شرطا لصحة النكاح، فيجوز إخلاء النكاح عن تسميته باتفاق الفقهاء؛ لقوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة {البقرة:236}.
وأقل المهر قد اختلف فيه الفقهاء، والراجح أنه لا حد لأقله؛ كما هو مبين في الفتوى رقم: 53611. ولا يشترط أن يكون نوعا معينا من المال، ومن الضوابط الفقهية التي ذكرها الفقهاء في هذا المقام هو أن: كل ما صح كونه مبيعا عوضا أو معوضا صح كونه صداقا، وما لا فلا. وقد ذكرناه في الفتوى رقم: 102503.
خامسا: إن منع الإنجاب بالكلية لا يجوز إلا لضرورة، ولا ينبغي منعه مؤقتا لغير حاجة، هذا مع العلم بأن الإنجاب حق للزوجين معا ليس لأي منهما منع الآخر منه بغير رضاه. وراجع الفتاوى أرقام: 131894 - 16524 - 163127. واستخدام الواقي الذكري حكمه حكم العزل، فلا يجوز بغير رضا الزوجة؛ كما أوضحنا في الفتوى رقم: 163127.
وفي الختام نقول لك: إن تيسر لك الزواج من هذه الفتاة من طريق صحيح فالحمد لله، وإن لم يتيسر لك ذلك فابحث عن غيرها، فالنساء غيرها كثير، وقد تجد من الفتيات من ترضى هي وأولياؤها بأقل التكاليف، فلا تزال الأمة بخير. وحتى يتم لك أمر النكاح ننصحك باجتناب مثيرات الشهوة، والعمل على كل ما يعينك على العفاف.
وللأهمية راجع الفتوى رقم: 103381.
والله أعلم.