السؤال
يراودني دائما شك في وجود الله، وفي البعث، والحساب، ولا يذهب عني عندما أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويأتيني وأنا أقرأ القرآن، فهل أنا بذلك كافرة ومنافقة؟ حيث إنني أتقرب لله من الظاهر، وبداخلي غير ذلك، مع العلم أن ذلك الشك يأتيني على شكل أسئلة يصعب علي الرد عنها، وأجتهد في التفكير فيها؛ للدفاع عن عقيدتي الإسلامية، وكل ذلك بداخلي، وفي نفس الوقت أخاف مما وعد الله به المنافقين في الآخرة، وأخاف من أن تأتيني ساعة الموت فيأتيني ذلك الشك، وأموت كافرة، وأخاف كذلك ألا أستطيع الرد على الملكين في سؤال القبر؛ حيث إن الله لن يثبتني بسبب ما دار بداخلي من شك، فهل أنا منافقة وكافرة؟ وإذا كنت كذلك، فهل من علاج لذلك؛ حتى أقضي عليه تماما، ويرضى عني الله، ويقبل توبتي؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم أن يشرح صدرك، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك، ثم نحب أن نلفت نظرك إلى أن الشك في وجود الله، وفي اليوم الآخر إن اطمأن له القلب، واستقر في الصدر، بحيث يركن إليه صاحبه، ولا يتعاظم أن يتكلم به ـ والعياذ بالله ـ كفر، بخلاف ما إذا كان مجرد خاطر طرأ، فاجتهد صاحبه في دفعه، فإنه لا يؤثر على صحة الإيمان، ولكن يتعين دفعه، والاستعاذة بالله، وعدم الكلام بمقتضاه؛ وراجعي في ذلك، وفي الأدلة على وجود الله تعالى، وعلى البعث، وصحة هذا الدين الفتاوى التالية أرقامها: 22279،12986، 131654، 22055، 58942، 210655، 110696، 236830، 31123، 80351 وما أحيل عليه فيها.
هذا ونحذرك من الوسوسة، وننبهك إلى الفرق بين الشك والوسوسة، فالوسوسة تهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهها العبد ونفاها، كانت كراهته صريح الإيمان، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 7950.
وكذلك من كان يستعظم أمر تلك الوسوسة، ويخاف من ورودها عليه، ويدفعها عنه قاطعا سبيلها إلى قلبه، رافضا له، متعوذا بالله من الشيطان، فذاك صاحب إيمان صريح، بخلاف من تابع الوسوسة، ووصل معها درجة الشك التي تزعزع أركان الإيمان، فذلك من يخاف عليه الشرك، والشك نقيض اليقين، وهو التردد بين الشيئين، كالذي لا يجزم بوقوع البعث أو عدمه؛ وراجعي الفتوى رقم: 5398.
وهناك كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - نسوقه لك، لعل الله أن ينفعك به، فيزول عنك ما تجدين، وتقوين على مدافعته، ومجاهدته.
يقول الشيخ - رحمه الله -: ومن الوساوس ما يكون من خواطر الكفر والنفاق، فيتألم لها قلب المؤمن تألما شديدا، كما قال الصحابة: يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: أوجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذلك صريح الإيمان، وفي لفظ: إن أحدنا ليجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به، فقال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة، قال كثير من العلماء: فكراهة ذلك وبغضه، وفرار القلب منه، هو صريح الإيمان، والحمد لله الذي كان غاية كيد الشيطان الوسوسة؛ فإن شيطان الجن إذا غلب وسوس، وشيطان الإنس إذا غلب كذب، والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر، أو غيره، لا بد له من ذلك، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر، والصلاة، ولا يضجر؛ فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} [النساء: 76] . انتهى.
والله أعلم.