السؤال
هل هذا الشعر جائز:
"حبيبي يا رسول الله.
لكني أسير على خطاك
عسى يوم القيامة ألقاك
وأفوز برؤية ربي ورؤياك
فغايتي رضى ربي ورضاك
محمد يا من ربي اصطفاك
نفسي وكل حياتي فداك".
فهل يتم إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته؟ فقد قرأت أن هناك طائفة ترد الحوض فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يناولهم، فيمنعوا، ويقال له: أنت لا تدري ما أحدثوا بعدك، وهذا يجعلني أفهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لا يدري بأحوال كل شخص من قومه، إلا ما أطلعه الله عليه في حياته، فهل يجوز القول: إن فلان يصلي ليرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا، أو يفعل كذا ليرضيه؟ أم أن هذا خطأ، ويعد من الشرك؟ وقرأت فتوى مشابهة عن آية: :حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون" فصحح المفتي القول، وقال: لا يتوقع عطاء من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فهل هذه كتلك؟ أم أن الأمر قد اشتبه علي؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطلب المسلم رضى الرسول صلى الله عليه وسلم ليس فيه ما ينكر؛ لأنه لا يلزم من السعي فيما يرضيه أن يكون مطلعا عليه، فهو مثل حرص البار على رضى وطاعة والديه، واهتمامه بما يحبانه، سواء كانا حاضرين أم غائبين، ومن المعلوم أن الله تعالى قد جعل رضاه عن خلقه مقترنا برضا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، حيث أتبع رضا نبيه صلى الله عليه وسلم لرضاه سبحانه وتعالى مباشرة، وأمر بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما دل عليه قوله تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا {النساء: 80}، وقوله تعالى: يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين {التوبة: 61}.
فقد وحد الله تعالى الضمير في يرضوه، مع أن الظاهر بعد العطف بالواو التثنية؛ لأن إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينفك عن إرضاء الله تعالى، فتلازما وجعلا كشيء واحد، فعاد إليهما الضمير المفرد، وإرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بطاعته، وموافقة أوامره، وإيفاء حقوقه عليه الصلاة والسلام في باب الإجلال والإعظام حضورا وغيبة، فالمسلم يحرص على إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وطاعته بالعمل بما جاء به من عند الله تعالى، ويوحد الله تعالى بالعبادة، والخشية، والتقوى، والألوهية، ولشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كلام نفيس في التفريق بين حق الله وحق الرسول صلى الله عليه وسلم، يحسن إيراده في هذا المقام، قال - رحمه الله -: ولهذا فرق الله سبحانه في كتابه بين ما فيه حق للرسول، وبين ما هو حق لله وحده، كما في قوله تعالى: ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون {النور:52} فبين سبحانه ما يستحقه الرسول من الطاعة، فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله.
وأما الخشية والتقوى: فجعل ذلك له سبحانه وحده، وكذلك قوله: ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون {التوبة:59} فجعل الإيتاء لله والرسول، كما في قوله: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا {الحشر:7}
وأما التوكل والرغبة: فلله وحده، كما في قوله تعالى: وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل {آل عمران:173} ولم يقل ورسوله وقال: إنا إلى الله راغبون {التوبة:59} ولم يقل: وإلى الرسول، وذلك موافق لقوله تعالى: فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب {الشرح:7ـ 8} فالعبادة، والخشية، والتوكل، والدعاء، والرجاء، والخوف لله وحده، لا يشركه فيه أحد.
وأما الطاعة، والمحبة، والإرضاء: فعلينا أن نطيع الله ورسوله، ونحب الله ورسوله، ونرضي الله ورسوله؛ لأن طاعة الرسول، طاعة لله وإرضاءه إرضاء لله، وحبه من حب الله. انتهى.
والله أعلم.