السؤال
كنت أذهب أنا وغيري إلى سكن الجامعة التي أنا فيها، في مدينة أخرى، فأفتح باب إحدى الغرف غير المأهولة بأداة، ولا أدفع الإيجار، وربما لبثت ليلة، أو بعض ليال، فهل علي دفع المدة التي قمت بسكنها؟ أو بالأصح تقديرها ودفعها؟ لأنني انتفعت بالغرفة، ولم أدفع إيجارها، وماذا عن الناس الذين قمت بتعليمهم فعل هذه الطريقة؟ وهل علي القيام بتذكيرهم ليعودوا فيدفعوا ما عليهم؟ وإن لم يفعلوا، فهل علي أن أدفع عنهم؟ ولو أخبروني أنهم سيدفعون، ولم يدفعوا، فهل يبقى علي الإثم، ويبقى دينا في رقبتي؟ وهل يمكنني الدفع عنهم من البداية، وإراحة نفسي من انتظارهم، والخوف؛ من كونهم دفعوا أو لم يدفعوا؟ أم علي إخبارهم بالأمر، حتى وإن رغبت في الدفع عنهم؟ ولو قام مسؤول السكن بمسامحتي أنا والأشخاص الذين قمت بتعليمهم ذلك؛ لأن مسؤول السكن يعرفني ويعرف قريبي، فربما فعلها مجاملة لنا، فهل يحق لي قبول مسامحته؟ أم يجب علي الإصرار على الدفع - جزاكم الله تعالى خيرا -؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك ضمان ما انتفعت به من سكنى هذه الغرفة دون إذن، وذلك بأن تعطي المسؤولين عن السكن أجرة مثل هذه الغرفة، فإن منفعة هذه الغرفة مما يجب ضمانه عند جماهير العلماء، قال العز ابن عبد السلام: وأما المنافع فضربان:
أحدهما: منفعة محرمة، كمنافع الملاهي، والفروج المحرمة، واللمس، والمس، والتقبيل، والضم المحرم، فلا جبر لهذه المنافع احتقارا لها، كما لا تجبر الأعيان النجسة لحقارتها، فإن استوفى شيئا منها بغير مطاوعة من ذي المنفعة، فلا يجبر شيء منها، إلا مهر المزني بها كرها، أو شبهة، ولا يجبر مثل ذلك في اللواط؛ لأنه لم يتقوم قط فأشبه القبل، والعناق.
الضرب الثاني: أن تكون المنفعة مباحة متقومة، فتجبر في العقود الفاسدة والصحيحة، والفوات تحت الأيدي المبطلة، والتفويت بالانتفاع؛ لأن الشرع قد قومها، ونزلها منزلة الأموال، فلا فرق بين جبرها بالعقود، وجبرها بالتفويت والإتلاف؛ لأن المنافع هي الغرض الأظهر من جميع الأموال، فمن غصب قرية، أو دارا قيمتها في كل سنة ألف درهم، وبقيت في يده سبعين سنة ينتفع بها منافع تساوي أضعاف قيمتها، ولم تلزمه قيمتها، لكان ذلك بعيدا من العدل، والإنصاف الذي لم ترد شريعة بمثله، ولا بما يقاربه، وهذا كله في منافع الأعيان المملوكة. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المنافع تضمن بالإتلاف، والغصب، كما تضمن الأعيان، وقد استدلوا بأدلة منها: أن الشارع أجاز أن تكون مهرا في النكاح، ولأن المال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالح العباد به، والمنافع يصدق عليها ذلك، ولأن المنفعة مباحة متقومة فتجبر في العقود الصحيحة والفاسدة، وذهب الحنفية إلى أن المنافع لا تضمن لا بالغصب، ولا بالإتلاف، وإنما تضمن بالعقد، أو شبهة العقد، وقد استثنى الحنفية من أصل عدم تضمين المنافع ثلاثة مسائل وهي: مال اليتيم، ومال الوقف، والمعد للاستغلال. اهـ.
وفيها: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن منافع الأموال مضمونة بالتفويت، بأجرة المثل، مدة مقامها في يد الغاصب، أو غيره؛ لأن كل ما ضمن بالإتلاف جاز أن يضمن بمجرد التلف في يده، كالأعيان. اهـ.
وإذا سامحك مسؤول السكن، وكان مخولا من إدارة الجامعة بذلك، لا مخالفا للنظام محاباة لك, فقد برئت ذمتك ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وأما من دللتهم على ذلك: فلا يجب عليك ضمان ما انتفعوا به؛ لأنهم المباشرون للانتفاع، والضمان يلزم المباشر، جاء في الأشباه والنظائر لابن نجيم: إذا اجتمع المباشر، والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر، فلا ضمان على حافر البئر تعديا بما أتلف بإلقاء غيره، ولا يضمن من دل سارقا على مال إنسان فسرقه. اهـ.
وإنما ينبغي عليك تنبيههم إلى خطأ فعلهم، ووجوب التوبة، والضمان عليهم؛ وذلك من باب النصيحة، والأمر بالمعروف.
ولا إثم عليك ـ إن شاء الله ـ إذا لم يضمنوا ما انتفعوا به.
والله أعلم.