السؤال
إذا وقفت أصلي العصر مثلا في الجامع، ولم أجد من أصلي معه جماعة، ودخلت في الصلاة، ثم جاء رجل، أو رجال من بعدي، فائتموا بي، فهل تحسب لي صلاة جماعة؟ أم تحسب لي صلاة فرد، ولهم جماعة؟ أرجو الإفادة، وشكرا.
إذا وقفت أصلي العصر مثلا في الجامع، ولم أجد من أصلي معه جماعة، ودخلت في الصلاة، ثم جاء رجل، أو رجال من بعدي، فائتموا بي، فهل تحسب لي صلاة جماعة؟ أم تحسب لي صلاة فرد، ولهم جماعة؟ أرجو الإفادة، وشكرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمسألة الانتقال من الانفراد إلى الإمامة فيها خلاف بين أهل العلم، والراجح فيها - إن شاء الله تعالى - الصحة، وحصول فضيلة الجماعة للإمام إذا نوى الإمامة، لكن صرح الشافعية بأنه يكون له فضل الجماعة من حين الجماعة، ولا تنسحب إلى ما قبل نية الإمامة.
قال العلامة الرملي في نهاية المحتاج: ويستحب له - أي: للإمام - نية الإمامة للخروج من خلاف الموجب لها، وليحوز فضيلة الجماعة، فإن لم ينوها، ولو لعدم علمه بالمقتدين لم تحصل له، وإن حصلت لهم بسببه، وإن نواها في الأثناء حازها من حين نيته، ولا تنعطف على ما قبلها. اهـ.
وقد فصل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - مذاهب الناس في هذه المسألة، ثم اختار صحة ذلك في الفرض والنفل.
فقال ـ رحمه الله ـ في الشرح الممتع على زاد المستقنع: النوع الثاني: الانتقال من انفراد إلى إمامة، وقد ذكره بقوله: (كنية إمامته فرضا)، أي: كما لا يصح أن ينتقل المنفرد إلى إمامة في صلاة الفرض، مثاله: رجل ابتدأ الصلاة منفردا، ثم حضر شخص أو أكثر، فقالوا: صل بنا، فنوى أن يكون إماما لهم، فقد انتقل من انفراد إلى إمامة، فلا يصح، لأنه انتقل من نية إلى نية، فتبطل الصلاة، كما لو انتقل من فرض إلى فرض، وعلم من قول المؤلف: كنية إمامته فرضا ـ أنه لو انتقل المنفرد إلى الإمامة في نفل، فإن صلاته تصح، والدليل على ذلك: أن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، فقام ابن عباس فوقف عن يساره، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه، فجعله عن يمينه، فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم هنا من انفراد إلى إمامة في نفل، وعلى هذا، فيكون في انتقال المنفرد من انفراد إلى إمامة في النفل نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والقول الثاني في المسألة: أنه يصح أن ينتقل من انفراد إلى إمامة في الفرض والنفل، واستدل هؤلاء: بأن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض، إلا بدليل، وهذا ثابت في النفل، فيثبت في الفرض، والدليل على أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل: أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ الذين رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت به، قالوا: غير أنه لا يصلي عليها الفريضة، فدل هذا على أنه من المعلوم عندهم أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض، ولولا ذلك لم يكن لاستثناء الفريضة وجه.
القول الثالث في المسألة: أنه لا يصح أن ينتقل من انفراد إلى إمامة ـ لا في الفرض، ولا في النفل ـ وهذا هو المذهب، فيكون قول المؤلف هنا وسطا بين القولين.
ولكن الصحيح: أنه يصح في الفرض والنفل، أما النفل فقد ورد به النص ـ كما سبق ـ وأما الفرض، فلأن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل. انتهى.
وهذا الذي صححه هو اختيار ابن قدامة - رحمه الله - في المغني، وهو من أئمة الحنابلة.
والله أعلم.