التفسير الشرعي والعلمي للآية 43 من سورة النور

0 863

السؤال

هل هناك تفسير علمي للآية الكريمة رقم 43 من سورة النور.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:


فإن الآية التي يسأل عنها السائل الكريم هي قوله تعالى: (ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) [النور:43].
قال المفسرون: (يؤلف بينه) أي: يجمع بينه. (ثم يجعله ركاما) أي: متراكما بعضه فوق بعض. (فترى الودق يخرج من خلاله) أي: فترى المطر يخرج من بين السحاب الكثيف. (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) أي: وينزل من السحاب الذي هو كأمثال الجبال بردا. (فيصيب به من يشاء) أي: فيصيب بذلك البرد من يشاء من العباد فيضره. (ويصرفه عن من يشاء) أي: ويدفعه عمن يشاء فلا يضره، وكما ينزل المطر من السماء وهو نفع للعباد كذلك ينزل منها البرد وهو ضرر للعباد، فسبحان من جعل السحاب مصدرا للخير والشر. (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) يخطف أبصار الناظرين من شدة لمعانه وقوة ضوئه.
هذا باختصار ما قاله المفسرون المتقدمون في تفسير هذه الآية.
وأما ما يعرف بالتفسير العلمي عند المعاصرين من أمثال الشيخ الزنداني فيذكرون في حديثهم عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أن هذه الآية إحدى آيات ثلاث في القرآن الكريم تتحدث عن المطر، وأنواع السحب، وهذه الآية هي الآية المذكورة هنا، وقوله تعالى: (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون) [الروم:48].
وقوله تعالى: (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا * وجنات ألفافا) [النبأ:15-16].
وقد قسم علماء الطقس -في العصر الحديث- أنواع السحب إلى ثلاثة أنواع رئيسة:
السحب الركامية: وإليها تشير الآية الأولى (آية النور).
السحب المبسوطة: وإليها تشير الآية الثانية (آية الروم).
سحب الأعاصير: وإليها تشير الآية الثالثة (آية النبأ).
وهذه الأنواع الثلاثة تتفرع عنها أنواع كثيرة أوصلها بعضهم إلى ثمانين نوعا، وبعضهم اختصرها في اثني عشر نوعا، ولكنها ترجع في أصلها إلى هذه الأنواع الثلاثة المذكورة في القرآن الكريم.
ويسمونها بالإنجليزية: كيوملس، السايرس، التورنيدس.
والقرآن الكريم يحدثنا عن كل نوع من هذه الأنواع، ويبين لنا خصائصه ومميزاته، وننقل لك ملخصا عن ما قاله علماء الطقس في هذا العصر عن النوع الأول، وهو المذكور في الآية التي سألت عنها، وهو السحب الركامية.
يقولون: وطبيعة هذا النوع من السحب أنها ضخمة كبيرة، ولكن مساحتها صغيرة، حيث تمتد ثمانية كيلومترات، وإذا توسعت فلا تتجاوز عشرة كيلومترات، ولكنها تتصاعد عموديا، وتتراكم فوق بعضها حتى يصل حجم الواحدة منها إلى حوالي عشرين كيلومترا كأنها جبل.
هذه السحب تتكون من ثلاث طبقات:
الطبقة السفلى: وهي القريبة منا مملوءة بنقاط الماء الصغيرة.
وأما الطبقة الوسطى: فيوجد بها بخار ماء درجته أقل من الصفر، لأنه في ضغط أقل من الضغط الجوي، وهذا البخار يتجمد بسرعة عندما يصطدم بأي جسم صلب.
وأما الطبقة العليا: فتوجد بها بلورات الثلج الجامدة، وعندما تنزل هذه البلورات تصطدم ببخار الماء في الطبقة الوسطى الجاهزة للتجمد فيتجمد حواليها، فيتكون البرد فيبدأ ينزل، فيصيب نقاط الماء في الطبقة السفلى، فتتجمع حوله فينزل مطرا.
وهذا النوع من السحب في داخله تيار هوائي قوي يصعد للأعلى فيبرد، وينزل للأسفل فيسخن، وصعوده ونزوله مستمر، وعملية التدفئة والتبريد مستمرة، والبردة التي تجمع حولها الماء من قوة التيار يدفعها إلى الأعلى، فيحيط بها مزيد من الجليد فتكبر وتثقل، فتنزل لتصيب مزيدا من بخار الماء المبرد فيتجمع حواليها، فتثقل فتنزل أكثر، فيأتي التيار الهوائي ليصعد بها، تستمر هذه العملية إلى أن يأتي وقت لا يستطيع التيار الهوائي أن يرفعها، لأنها تكون ثقيلة جدا، فتبدأ بالنزول، فتذوب شيئا فشيئا إلى أن تصل إلى الأرض وهي صغيرة الحجم.
ويثبت العلم الحديث أن هذا النوع من السحب (الركامي) يختلف عن غيره، فهو الذي يحدث فيه البرق والرعد يقول تعالى: (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار).
ويقولون: إن البرق يسببه البرد بانتقاله من أسفل إلى أعلى، فتتغير شحناته الكهربائية، ومع انتقال الشحنات الكهربائية وتجمعها يحدث تفريغ، فتحدث شرارة، ويحدث وراءها صوت الرعد بسبب خلخلة الهواء، ومن هنا يحدث الرعد والبرق.
ولهذا قال تعالى: (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) والضمير في (برقه) يعود إلى البرد، لأنه أقرب مذكور، وقيل إلى السحاب.
وإذا قرأنا الآية الكريمة وتأملنا ما ذكره علماء الطقس علمنا أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأنه معجزة الإسلام الخالدة، وصدق الله العظيم حيث يقول: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) [فصلت:53].
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة