شبهة حول إمكانية صعود الشياطين إلى السماء

0 740

السؤال

توجد قناة نصرانية تخصصت في نقد القرآن الكريم اسمها الدليل، ومن ضمن ما قالوا في الآية التي: تقول: إلا من استرق السمع ـ أي من الشياطين ـ كيف للشيطان أن يصعد إلى السماء ونحن أبعد من السماء بملايين السنين الضوئية، ونحن نعلم أن سرعة الشيطان أقل من سرعة الضوء؟ فكيف أرد عليهم بارك الله فيكم ونفع بكم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس المراد بالسماء التي يلتمسها مسترقو السمع: السماء المبنية ذات الأبواب، فإن لفظ السماء في اللغة العربية يطلق على كل ما علا وارتفع، كما قال تعالى: ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله {النحل: 79}.

وأقرب ما يحمل عليه لفظ السماء في مسألة استراق الشياطين للسمع هو السحاب ونحوه مما يحيط بالأرض، فإن الملائكة تنزل إلى السحاب فتذكر الأمر من قضاء الله فتسترقه الشياطين، ودليل ذلك ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الملائكة تنزل في العنان ـ وهو السحاب ـ فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم.

قال الشيخ سليمان آل الشيخ في تيسير العزيز الحميد: وظاهر هذا أنهم لا يسمعون كلام الملائكة الذين في السماء الدنيا وإنما يسمعون كلام الملائكة الذين في السحاب. اهـ.

ولذلك رد القاري في مرقاة المفاتيح قول من تأول السحاب هنا بالسماء، ثم قال: سماع الجني من الملائكة في السحاب أقرب، فهو بالاعتبار أنسب... وقوله: فتذكر الأمر قضي في السماء ـ ظرف لقضي لا لتذكر، ففيه دلالة صريحة على أن المراد بالعنان السحاب، إذ لا معنى لقوله: إن الملائكة تنزل من السماء فتذكر الأمر الذي قضي في السماء، بل المعنى أن الملائكة ينزلون من السماء في السحاب، فيحكي بعضهم لبعض الأمور التي قضيت في السماء، وسمعوا حال كونهم فيها. اهـ.

وإطلاق السماء على السحاب كثير جدا في القرآن، كالآيات التي تنص على إنزال الماء من السماء، ومنها قوله تعالى: وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه {الحجر: 22}.

قال القرطبي: قوله تعالى: فأنزلنا من السماء ـ أي من السحاب، وكل ما علاك فأظلك يسمى سماء، وقيل: من جهة السماء. اهـ.

وراجع الفتوى رقم: 101502.

ومما يفيدنا في معرفة المدى الذي تصعد إليه الشياطين قبل أن تصيبها الشهب، ما قاله الباحث أشرف عماشة في رسالته للماجستير: الكون والرؤية العلمية في القرآن الكريم والأديان السماوية الأخرى ـ حيث قال: يأتي ذكر الشهب في كتاب الله في قوله تعالى: وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا ـ تشير هذه الآية إلى ما قالته طائفة من الجن من أنهم لما حاولوا صعود السماء وجدوها قد ملئت حرسا قويا وشهبا محرقة في سماء الأرض تمنعهم من الصعود للسماء أو أي محاولة للاقتراب، فالشهب تمثل حائط الدفاع الأول للسماء... وتبدأ الشهب في الظهور وهي على ارتفاع 60 ميلا في الهواء وتختفي عند نحو 40 ميلا. اهـ.

وللشيخ ابن باز رسالة مشهورة في الأدلة النقلية والحسية على إمكان الصعود إلى الكواكب، ذكر منها ما يفيدنا في موضوع السؤال، وننقل من ذلك قوله: وقد تأملنا ما ورد في الكتاب العزيز من الآيات المشتملة على ذكر الشمس والقمر والكواكب، فلم نجد فيها ما يدل دلالة صريحة على عدم إمكان الوصول إلى القمر أو غيره من الكواكب، وهكذا السنة المطهرة لم نجد فيها ما يدل على عدم إمكان ذلك، وقصارى ما يتعلق به من أنكر ذلك أو كفر من قاله، ما ذكره الله في كتابه الكريم في سورة الحجر، حيث قال سبحانه: ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ـ وقال تعالى في سورة الفرقان: تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ـ وقال في سورة الصافات: إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ـ وقال سبحانه في سورة الملك: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير ـ وقال في سورة نوح: ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ـ وظنوا أن ما ذكره الله في هذه الآيات الكريمات وما جاء في معناها يدل على أن الكواكب في داخل السماء، أو ملصقة بها، فكيف يمكن الوصول إلى سطحها... والجواب أن يقال: ليس في الآيات المذكورات ما يدل على أن الشمس والقمر وغيرهما من الكواكب في داخل السماء ولا أنها ملصقة بها، وإنما تدل الآيات على أن هذه الكواكب في السماء وأنها زينة لها، ولفظ السماء يطلق في اللغة العربية على كل ما علا وارتفع، كما في قوله سبحانه: أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير... ومن هذا الباب أيضا قوله عز وجل في سورة الحج: من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ـ قال المفسرون: معناه فليمدد بسبب إلى ما فوقه من سقف ونحوه، فسماه سماء لعلوه بالنسبة إلى من تحته، ومن هذا الباب قوله تعالى: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ـ فقوله هنا: في السماء أي في العلو.. والأدلة في هذا الباب من كلام الله سبحانه وكلام رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكلام المفسرين، وأئمة اللغة، على إطلاق لفظ السماء على الشيء المرتفع كثيرة، إذا عرف هذا فيحتمل أن يكون معنى الآيات أن الله سبحانه جعل هذه الكواكب في مدار بين السماء والأرض، وسماه سماء لعلوه، وليس فيما علمنا من الأدلة ما يمنع ذلك، وقد ذكر الله سبحانه أن الشمس والقمر يجريان في فلك في آيتين من كتابه الكريم وهما قوله عز وجل في سورة الأنبياء: وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ـ وقوله سبحانه في سورة يس: لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ـ ولو كانا ملصقين بالسماء لم يوصفا بالسبح... ومن زعم أن المراد بالأفلاك السماوات المبنية فليس لقوله حجة يعتمد عليها فيما نعلم، بل ظاهر الأدلة النقلية وغيرها يدل على أن السماوات السبع غير الأفلاك.. وأما وصفه سبحانه للكواكب بأنها زينة للسماء: فلا يلزم منه أن تكون ملصقة بها، ولا دليل على ذلك، بل يصح أن تسمى زينة لها، وإن كانت منفصلة عنها، وبينها وبينها فضاء.. وظاهر الأدلة السابقة، وكلام الكثير من أهل العلم أو الأكثر كما حكاه النسفي والألوسي: أن جميع الكواكب ومنها الشمس والقمر تحت السماوات، وليست في داخل شيء منها، وبذلك يعلم أنه لا مانع من أن يكون هناك فضاء بين الكواكب والسماء الدنيا... أما السماوات المبنية فهي محفوظة بأبوابها وحراسها، فلن يدخلها شياطين الإنس والجن، كما قال الله تعالى: وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ـ وقال تعالى: وحفظناها من كل شيطان رجيم ـ وثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء مع جبريل لم يدخل السماء الدنيا وما بعدها إلا بإذن، فغيره من الخلق من باب أولى... اهـ.

وعلى أية حال، فنحن المسلمون وإن كنا نعتقد أن الشياطين كانوا يسترقون السمع، فإننا نقف في تقرير كيفية ذلك على حدود الوحي، ولا نتكلف ما فوق ذلك، جاء في ظلال القرآن: وهذه الوقائع التي حكاها القرآن عن الجن من قولهم توحي بأنهم قبل هذه الرسالة الأخيرة ـ ربما في الفترة بينها وبين الرسالة التي قبلها وهي رسالة عيسى عليه السلام ـ كانوا يحاولون الاتصال بالملأ الأعلى، واستراق شيء مما يدور فيه، بين الملائكة، عن شؤون الخلائق في الأرض، مما يكلفون قضاءه تنفيذا لمشيئة الله وقدره... أما كيفية هذا وصورته: فلم يقل لنا عنها شيئا، ولا ضرورة لتقصيها، إنما هي جملة هذه الحقيقة وفحواها. اهـ.

وراجع في أن الشيطان يسترق السمع بقدر الله، الفتوى رقم: 1850.

ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 22344.

ونحذر من الاستماع لهذه القنوات التي تبث الشبهات، فإن النظر في كتب أهل الكتاب أو الاستماع إلى شبهاتهم لا يكون إلا لأهل العلم القادرين على ردها ودحضها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة