متى يجب النكاح ويحرم تركه؟

0 203

السؤال

لي صديق شاب في كامل صحته ويعمل معي ولا يريد الزواج بحجة أن العمل الذي يعمله عمل خاص وقد يفقده في أي وقت، وحينما حاولت أن أقنعه أن ذلك حرام طالبني بالدليل على ذلك، فلم أجد الأدلة الكافية فذكرت له حديث: من استطاع منكم الباءة فليتزوج...إلخ، ولكن نص الحديث لم يحرم ترك الزواج، ولم أجد الأدلة الكافية لإقناعه، فهل موقفه سليم؟ أم أنه يرتكب ذنبا بتركه الزواج مع استطاعته المادية والصحية؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالقدرة المالية والصحية لا تكفيان لإيجاب الزواج وتحريم تركه عند عامة أهل العلم، فالمدار في وجوب ‏النكاح عندهم إنما هو على خشية الزنا بتركه، فإن كان ‏صديقك يخشى ذلك على نفسه، فهو آثم بترك النكاح معرض نفسه للفتنة، وإلا كان النكاح مستحبا ‏في حقه إذا كان له شهوة إلى النساء، ولا تأثيم ولا إنكار في ترك المستحب، قال الخرشي في شرح المختصر: ‏المدار على ‏خشية الزنا، فمتى خشي الزنا وجب عليه التزويج, ولو عجز عن النفقة.

وقال الموفق في المغني في بيان مذاهب أهل العلم ‏في هاتين الحالتين: والناس في النكاح ‏على ثلاثة أضرب، منهم من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح، ‏فهذا يجب ‏عليه النكاح في قول عامة الفقهاء، لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصونها عن الحرام، الثاني، من ‏يستحب له، وهو ‏من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور، فهذا الاشتغال له به أولى من ‏التخلي لنوافل العبادة، وهو قول أصحاب الرأي، ‏وهو ظاهر قول الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وفعلهم.‏ اهـ

وكذلك على المختار إذا توقف ترك الحرام على الزواج، وجب ‏التزوج لذلك، لأن ما لا يترك الحرام إلا بفعله ففعله واجب، قال ابن عابدين في الحاشية: وكذا فيما يظهر لو كان لا يمكنه ‏منع نفسه عن النظر المحرم أو عن الاستمناء بالكف، فيجب التزوج, وإن لم ‏يخف الوقوع في الزنا. اهـ

ولا ينبغي التعلل بترك النكاح المستحب بمثل ما ذكره السائل عن صاحبه من خشية فقد العمل، لأنه لا تعلم نفس ماذا تكسب غدا‏، قال ‏الإمام أحمد: في رجل قليل الكسب, ‏يضعف قلبه عن العيال: الله يرزقهم, التزويج ‏أحصن له, ربما أتى ‏عليه وقت لا يملك قلبه. نقله عنه الموفق في المغني.

والتحقيق أن النكاح من أبواب الرزق، خلافا لما يتوهمه بعض ‏الناس, وقد بينا ذلك بالنقل الصريح في الفتوى رقم: 7863.‏

وحديث البخاري الذي ذكرته في السؤال لا يدل على الوجوب، لانصرافه إلى الاستحباب بقرائن السياق من السباق ‏واللحاق عند جماهير الفقهاء، كما بينه الحافظ في الفتح، وملك العلماء في البدائع، ولو دل على الوجوب لاستلزم الحرمة، لأن الصحيح أصوليا أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، كما حررنا في الفتوى رقم:‏ 146511‏.‏

هذا، ونحذر الأخ السائل من القول في دين الله بغير علم، فذاك من كبائر الآثام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة