حكم إطلاق البعض والجزء على الله تعالى، وحكم نفي الدليل العقلي مطلقا

0 923

السؤال

قال العلامة العثيمين - رحمه الله - في شرح السفارينية: (الصفات الخبرية هي الصفات التي بالنسبة لنا هي أبعاض وأجزاء، مثل: اليد، والوجه، والأصابع، والقدم، والساق، أما بالنسبة لله فلا نقول: إنها أبعاض وأجزاء؛ لأنها مستحيلة عليه سبحانه) نحن لا نقبل الدليل العقلي، ولا يوجد دليل من الكتاب أو السنة أنها مستحيلة في حقه، فكيف علمنا ذلك؟ وأريد من فضيلتكم رقم الشيخ عبد الرحمن دمشقية، فأرجو أن ترسلوه لي على الإيميل من فضلكم؛ لأن لدي شبهات تحتاج إلى توضيح - جزاكم الله خيرا -.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم - أخي السائل - أن كلام الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - موافق لكلام أهل السنة والجماعة في باب الاعتقاد، وفي هذه المسألة على وجه الخصوص.

وملخصها أن لفظ البعض والجزء من الألفاظ المجملة التي تحتمل معنى باطلا، وهو انفصال هذه الصفات - كاليد، والوجه - عن الله تعالى؛، مما يدل على تجزئته، وافتقاره لهذه الصفات التي تنفصل عنه، والله سبحانه هو الواحد الغني الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير {الشورى:11}.

فطريقة السلف عدم إطلاق الألفاظ المجملة - لا بالنفي، ولا بالإثبات - وإنما ينفون المعاني الباطلة التي دلت عليها، ويثبتون المعاني الصحيحة اللائقة به سبحانه وتعالى دون اللفظ المجمل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في درء التعارض: وما تنازع فيه الأمة من الألفاظ المجملة - كلفظ التحيز، والجهة، والجسم، والجوهر، والعرض، وأمثال ذلك - فليس على أحد أن يقبل مسمى اسم من هذه الأسماء، لا في النفي، ولا في الإثبات؛ حتى يتبين له معناه، فإن كان المتكلم بذلك أراد معنى صحيحا، موافقا لقول المعصوم كان ما أراده حقا، وإن كان أراد به معنى مخالفا لقول المعصوم كان ما أراده باطلا، ثم يبقى النظر في إطلاق ذلك اللفظ ونفيه، وهي مسألة فقهية، فقد يكون المعنى صحيحا، ويمتنع من إطلاق اللفظ لما فيه من مفسدة، وقد يكون اللفظ مشروعا، ولكن المعنى الذي أراده المتكلم باطل، كما قال علي - رضي الله عنه - لمن قال من الخوارج المارقين لا حكم إلا لله: كلمة حق أريد بها باطل. انتهى.

ويدل على ما سبق بيانه من مسألة البعض والجزء من كلام الشيخ - رحمه الله - في شرحه للعقيدة السفارينية قوله: الصفات الخبرية: وهي التي نعتمد فيها على مجرد الخبر، وليست من المعاني المعقولة، بل هي من الأمور المدركة بالسمع المجرد فقط، ونظيرها، أو نظير مسماها بالنسبة إلينا أبعاض وأجزاء، مثل اليد، والوجه، والعين، مسماها بالنسبة إلينا أبعاض وأجزاء، فاليد بعض منا، أو جزء منا، والوجه كذلك، والعين كذلك، ولكن بالنسبة لله لا نقول: إنها جزء أو بعض؛ لأن البعضية والجزئية لم ترد بالنسبة إلى الله لا نفيا، ولا إثباتا؛ ولهذا نقول لمن قال: إن الله واحد لا يتجزأ، ولا ينقسم، وما أشبه ذلك، نقول: هذه ألفاظ بدعية، فليس هناك دليل على أن تصف الله بهذا النفي، وما أنت أعلم بالله من الله، ولا أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم بالله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما قال واحد منهم قط: إنه لا يتبعض، ولا يتجزأ، فاحبس لسانك عما حبسوا ألسنتهم عنه، ولا تتكلم بأشياء فارغة، وليس هناك داع لأن تقول: لا يتجزأ، فلا أحد يتصور أن الله تعالى - وله الحمد والفضل - يتجزأ، لا أحد يتصور هذا حتى تنفيه، فدع ذلك، وإنما ينفى مثل هذا الكلام لو أن أحدا قاله، أما ولم يقله أحد فليس له داع، بل يقال: لله يد، وله وجه، وله عين، ودع عنك: لا يتجزأ، ولا يتبعض، فلم يتعبدنا الله بهذا، ولا ورد عن الله أنه يتبعض، أو يتجزأ، أو لا يتبعض، ولا يتجزأ، بل قال تعالى: (قولوا آمنا بالله) (البقرة: الآية 136) وقال: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) (البقرة: الآية 255) وقال تعالى: (قل هو الله أحد * الله الصمد) (الإخلاص: 1 - 2)، وكل هذا لم يرد، وما لم يرد فالأدب مع الله ورسوله أن نمسك عنه، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم) (الحجرات: 1)، فلو نفيت ما لم ينفه الله عن نفسه فقد تقدمت بين يدي الله ورسوله، ولو أثبت ما لم يثبته فقد تقدمت بين يدي الله ورسوله. انتهى.

وقال أيضا - رحمه الله -: والصفات الخبرية هي التي تدل على مسمى هو أبعاض لنا وأجزاء، مثل: الوجه، واليد، والقدم، والأصابع، والعين، فكل هذه ألفاظ تدل على مسميات هي بالنسبة إلينا أبعاض وأجزاء، أما بالنسبة لله فلا نقول إنها أبعاض وأجزاء؛ لأن البعض والجزء ما يمكن انفصال بعضه عن بعض، وهذا بالنسبة لله عز وجل مستحيل، ولهذا لم نر أحدا يقول: إن يد الله بعض منه، أو جزء منه، أو إن وجهه جزء منه، أو بعض منه، فلا يقال هذا في حق الله عز وجل؛ لأن البعض والجزء ما صح انفصاله عن الأصل، وهذا بالنسبة لله أمر مستحيل، إذن نسميها يدا، ووجها، وعينا، وأصبعا، وقدما، وما أشبه ذلك، لكننا لا نسميها بعضا، أو جزءا. انتهى.

وكل دليل من الكتاب والسنة يدل على تنزيه الله سبحانه عن النقائص فهو دليل على نفي المعنى الباطل من إطلاق البعض والجزء، كقوله تعالى: سبحان ربك رب العزة عما يصفون {الصافات:180}

وأما قولك: (لا نقبل الدليل العقلي) فغير صحيح على إطلاقه، بل نقبل ونستدل بقياس الأولى في حق الله تعالى، وهو من الدليل العقلي، ولا نقبل ولا نجوز قياس التمثيل، وقياس الشمول في حقه سبحانه، وهما كذلك من الأدلة العقلية، فلا يصح نفي الدليل العقلي مطلقا، ولا إثباته مطلقا في حقه تعالى. وتوضيح ذلك من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية حيث قال - رحمه الله -: والله تعالى له المثل الأعلى، فلا يجوز أن يقاس على غيره قياس تمثيل، يستوي فيه الأصل والفرع، ولا يقاس مع غيره قياس شمول تستوي أفراده في حكمه، فإن الله سبحانه ليس مثلا لغيره، ولا مساويا له أصلا، بل مثل هذا القياس هو ضرب الأمثال لله، وهو من الشرك والعدل بالله، وجعل الند لله، وجعل غيره له كفوا وسميا، وهم مع هذا كثير، والبراءة من التشبيه والذم له، وهم في مثل هذه المقاييس داخلون في حقيقة التمثيل والتشبيه، والعدل بالله، وجعل غيره له كفوا وندا وسميا، كما فعلوا في مسائل الصفات، والقدر، وغير ذلك؛ ولهذا ذكر الوزير أبو المظفر ابن هبيرة في كتاب الإيضاح في شرح الصحاح: أن أهل السنة يحكون أن النطق بإثبات الصفات وأحاديثها يشتمل على كلمات متداولات بين الخالق وخلقه، وتحرجوا من أن يقولوا مشتركة؛ لأن الله تعالى لا شريك له، بل لله المثل الأعلى، وذلك هو قياس الأولى والأحرى، فكل ما ثبت للمخلوق من صفات الكمال فالخالق أحق به، وأولى، وأحرى به منه؛ لأنه أكمل منه، ولأنه هو الذي أعطاه ذلك الكمال، فالخالق أحق به، وأولى، وأحرى به منه؛ لأنه أكمل منه، ولأنه هو الذي أعطاه ذلك الكمال، فالمعطي الكمال لغيره أولى وأحرى أن يكون هو موصوفا به؛ إذ ليس أعطى، وأنه سلب نفسه ما يستحقه، وجعله لغيره، فإن ذلك لا يمكن، بل وهب له من إحسانه وعطائه ما وهبه من ذلك، كالحياة، والعلم، والقدرة، وكذلك ما كان منتفيا عن المخلوق لكونه نقصا وعيبا، فالخالق هو أحق بأن ينزه عن ذلك. انتهى.

وأما عن رقم هاتف الشيخ عبد الرحمن دمشقية فليس عندنا، ويمكنك مراسلته عن طريق موقعه الرسمي على الإنترنت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة