السؤال
الحمد لله رب العالمين .السؤال قد ورد في الحديث أن الله أعد للذين آمنوا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وفي قول الله عز وجل في محكم التنزيل: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الجرة فتكونا من الظالمين).أفيدونا يرحمكم الله في هذا السؤال مع التوضيح أي جنة التي يتحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وأي جنة يتحدث عنها الله جل شأنه في الآية التي أسكن فيها آدم وهل آدم سكن الجنة التي يتحدث عنها الله؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 4/346، فقال: والجنة التي أسكنها آدم وزوجته عند سلف الأمة وأهل السنة والجماعة هي: جنة الخلد، ومن قال: إنها جنة في الأرض بأرض الهند أو بأرض جدة، أو غير ذلك، فهو من المتفلسفة والملحدين، أو من إخوانهم المتكلمين المبتدعين، فإن هذا يقوله من يقوله من المتفلسفة والمعتزلة.
والكتاب والسنة يرد هذا القول، وسلف الأمة وأئمتها متفقون على بطلان هذا القول، قال تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) إلى قوله: (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) [البقرة:34، 36]. فقد أخبر سبحانه أنه أمرهم بالهبوط، وأن بعضهم عدو لبعض، ثم قال: (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) وهذا يبين أنهم لم يكونوا في الأرض، وإنما أهبطوا إلى الأرض، فإنهم لو كانوا في الأرض وانتقلوا إلى أرض أخرى كانتقال قوم موسى من أرض إلى أرض، لكان مستقرهم ومتاعهم إلى حين في الأرض قبل الهبوط وبعده.
وكذلك قال في الأعراف لما قال إبليس: (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) [الأعراف:13]. فقوله: (فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها) يبين اختصاص السماء بالجنة بهذا الحكم، فإن الضمير في قوله: (منها) عائد إلى معلوم غير مذكور في اللفظ، وهذا بخلاف قوله: (اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم) [البقرة:61]. فإنه لم يذكر هناك ما أهبطوا فيه، وقال هنا: (اهبطوا) لأن الهبوط يكون من علو إلى سفل، وعند أرض السراة حيث كان بنو إسرائيل حيال السراة المشرفة على المصر الذي يهبطون إليه، ومن هبط من جبل إلى واد قيل له: هبط.
وأيضا، فإن بني إسرائيل كانوا يسيرون ويرحلون، والذي يسير ويرحل إذا جاء بلدة يقال: نزل فيها، لأن في عادته أنه يركب في سيره، فإذا وصل نزل عن دوابه، يقال: نزل العسكر بأرض كذا، ونزل القفل بأرض كذا، لنزولهم عن الدواب.
ولفظ النزول كلفظ الهبوط، فلا يستعمل هبط إلا إذا كان من علو إلى سفل، وقوله: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين * قال اهبطوا) [الأعراف:23-24].
فقوله هنا بعد قوله: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) يبين أنهم هبطوا إلى الأرض من غيرها، وقال: (قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون) [الأعراف:25]. دليل على أنهم لم يكونوا قبل ذلك بمكان فيه يحيون وفيه يموتون ومنه يخرجون، وإنما صاروا إليه لما أهبطوا من الجنة، والنصوص في ذلك كثيرة، وكذلك كلام السلف والأئمة.
وقد ذكر المسألة العلامة ابن القيم في كتابيه (حادي الأرواح، ومفتاح دار السعادة) وأطال فيها، ونحن نلخص لك ما ذكر في مفتاح دار السعادة 1/14 قال رحمه الله: فنقول: أما ما ذكرتموه من كون الجنة التي أهبط منها آدم ليست جنة الخلد، وإنما هي جنة غيرها، فهذا مما قد اختلف فيه الناس، والأشهر عند الخاصة والعامة الذي لا يخطر بقلوبهم سواه أنها جنة الخلد التي أعدت للمتقين، وقد نص غير واحد من السلف على ذلك. ا.هـ
وللمزيد يراجع كلام ابن القيم في كتابيه المشار إليهما.
والله أعلم.