السؤال
لست ممن يتبعون الشبهات والحمد لله ، ولكن ألبس علي موضوع السلام على أهل الكتاب، والنهي عن بدئهم بالسلام ، وآية القسط مع غير المحاربين منهم في سورة الممتحنة ، أليس السلام من أقسام القسط معهم، ويمكن أن يؤدي إلى تأليف قلوبهم ، وهل حكم النهي عن بدء السلام محمول على التحريم أم الكراهة؟ وماذا علي لو بدأتهم بالسلام من دون موالاة قلبية؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف في ابتداء الكفار بالسلام المعروف شرعا ـ السلام عليكم، أو سلام عليكم ـ واختلف في حمل النهي على التحريم أو على الكراهة ، وقد بسطنا الكلام على ذلك، وذكرنا من رجح منعه وتحريمه بسبب النهي الوارد في حديث مسلم ، ومن رجح جوازه لمصلحة بالفتوى رقم: 6067. والفتوى رقم : 172849 والفتوى رقم : 199607 .
وليس في منع السلام على القول به ما يعارض آية القسط، فإن القسط هو العدل، وقد دلت النصوص على الأمر بما هو فوق العدل في معاملتهم، فأمرت بالإحسان إلى أهل الذمة وحسن معاملتهم، وتحريم ظلمهم والبغي عليهم، فقال تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. {الممتحنة:8}.
ويقول صلى الله عليه وسلم في التحذير من ظلم أهل الذمة وانتقاص حقوقهم: من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة. أخرجه أبو داود والبيهقي وحسنه الألباني.
وليس في ترك ابتداء السلام عليهم منع حق لهم، ولا هو يدل على عدم معاملتهم بالعدل والقسط ، فقد قال أبو بكر الجصاص: لأن السلام من تحية أهل الجنة، فكره أن نبدأ به الكافر، إذ ليس من أهلها، ولا يكره الرد على وجه المكافأة. اهـ
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع": ويكره الابتداء بالتسليم على اليهودي والنصراني؛ لأن السلام اسم لكل بر وخير، ولا يجوز مثل هذا الدعاء للكافر، إلا أنه إذا سلم لا بأس بالرد عليه مجازاة له، ولكن لا يزيد على قوله وعليك؛ لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول: السام عليكم، فقولوا: وعليك } . اهـ
والله أعلم.