السؤال
نحن مجموعة شباب من سكان سيدي عقبة، من الجزائر. نسكن بالقرب من مكان يسمى (تهودة) الذي سقط فيه الصحابي عقبة بن نافع -رضي الله عنه- شهيدا، وجدنا حديثا فيه التحذير من السكن بهذا المكان؛ لأنه ملعون. وروى أبو المهاجر عن رجاله، عن شهر بن حوشب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سكنى هذه البقعة الملعونة التي يقال لها تهوذا، ويقال إنه قال: سوف يقتل بها رجال من أمتي على الجهاد في سبيل الله، ثوابهم ثواب أهل بدر، وأهل أحد، والله ما بدلوا حتى ماتوا.
ما صحة هذا الحديث؟
هل اللعن هنا المقصود به عدم السكن في هذه المنطقة؟
وهل هناك أماكن محددة ورد ذكرها في القرآن، أو السنة اعتبرت أماكن ملعونة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في كتاب الروض المعطار في خبر الأقطار لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحميري (المتوفى: 900هـ) في حديثه عن تهوده: وفي هذه المدينة حديث مشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه شهر بن حوشب -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سكنى هذه البقعة الملعونة التي هي تهودة. وقال: " سوف يقتل بها رجال من أمتي على الجهاد في سبيل الله تعالى، ثوابهم كثواب أهل بدر، وأهل أحد، وأنهم ما بدلوا حتى ماتوا "، وكان شهر بن حوشب- رضي الله عنه- يقول: واشوقاه إليهم. قال شهر رضي الله عنه: سألت جماعة من التابعين عن هذه العصابة التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: ذلك عقبة بن نافع وأصحابه، قتلهم البربر والنصارى بمدينة يقال لها تهودة، فمنها يحشرون يوم القيامة وسيوفهم على عواتقهم حتى يقفوا بين يدي الله عز وجل. اهـ.
وقال أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي المغربي الإفريقي، في كتابه: طبقات علماء إفريقية: وقرأت عن إسحاق بن أبي عبد الملك الملشوني، عن أبيه (مؤرخ مغربي معروف)، عن مقاتل، عن وهب بن منبه، وشهر بن حوشب، أن هذه البقعة الملعونة، التي يقال لها: تهوده، كان النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن سكناها، وقال: سوف يقتل بها رجال من أمتي على الجهاد في سبيل الله، ثوابهم ثواب أهل بدر، وأهل أحد، والله ما بدلوا حتى ماتوا، واشوقاه إليهم. اهـ.
وقال أبو عبيد البكري في المسالك والممالك: وقال أبو المهاجر عن رجاله عن شهر بن حوشب. فذكره..
ومدار الحديث على شهر بن حوشب مرسلا، وشهر لا يقبل عند كثير من المحدثين إذا أسند؛ فكيف إذا أرسل.
قال ابن حبان: وكان ممن يروي عن الثقات المعضلات، وعن الأثبات المقلوبات. اهـ.
قال مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال: وذكره أبو العرب (راوي الخبر) والعقيلي في جملة الضعفاء. اهـ.
وقال ابن حجر: صدوق، كثير الإرسال، والأوهام. اهـ.
وربما يكون الخبر عن وهب بن منبه، كما في رواية أبي العرب نقله عن أخبار بني إسرائيل، أو سمعه شهر من نوف البكالي (ابن امراة كعب الأحبار)، ويكون أصل الخبر من الإسرائيليات، وعلى كل فالخبر لا يثبت، ولا يترتب عليه حكم، ولا تثبت اللعنة على تلك المنطقة.
وأما بخصوص الأماكن الملعونة، فلم يرد لها ذكر في القرآن الكريم، ولا السنة الصحيحة كذلك فيما نعلم؛ وقد روى أبو داود في سننه: أن عليا -رضي الله عنه- مر ببابل وهو يسير، فجاءه المؤذن يؤذن بصلاة العصر، فلما برز منها، أمر المؤذن فأقام الصلاة، فلما فرغ قال: إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي في المقبرة، ونهاني أن أصلي في أرض بابل؛ فإنها ملعونة. إلا أن الحديث ضعفه الألباني رحمه.
وراجع الفتوى رقم: 137008وهي بعنوان: مسألة حول السكنى في أماكن المعذبين.
وراجع للفائدة الفتويين: 136555، 115589، وتوابعهما.
والله أعلم.