هل حرمان شارب الخمر منها في الآخرة يدخل ضمن قاعدة الجزاء من جنس العمل

0 220

السؤال

هل قاعدة: الجزاء في الجنة من جنس العمل ـ لها أدلة واضحة من القرآن والسنة؟ وهل مثلا شارب الخمر في الدنيا يحرم منها في الجنة؟ أو الزاني في الدنيا يحرم مثلا من الحور العين؟ أم أن هذا الأمر من الغيبيات؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقاعدة: الجزاء من جنس العمل ـ شاملة لأمور الدنيا والآخرة، في الخير والشر، ولها أدلتها الواضحة في الكتاب والسنة. قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: وقد دل الكتاب والسنة في أكثر من مائة موضع على أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر، كما قال تعالى: جزاء وفاقا ـ أي: وفق أعمالهم، وهذا ثابت شرعا وقدرا. انتهى.

ومن ذلك: ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.

وروى أحمد في المسند، والترمذي في السنن عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مؤمن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسا مؤمنا على عري كساه الله من خضر الجنة. وصحح وقفه الترمذي والألباني، والأرناؤوط.
قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير: كساه الله تعالى من خضر الجنة ـ بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين جمع أخضر أي من الثياب الخضر فيها وخصها لأنها أحسن الألوان..... جزاء وفاقا، إذ الجزاء من جنس العمل، والمراد أنه يخص بنوع من ذلك أعلى، وإلا فكل من دخل الجنة كساه الله من ثيابها وأطعمه وسقاه من ثمارها وخمرها. اهـ

وقوله صلى الله عليه وسلم: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.

قال العيني رحمه الله: وشقه مائل ـ والجزاء من جنس العمل، ولما لم يعدل أو حاد عن الحق كان عذابه بأن يجيء يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وأحد شقيه مائل. انتهى كلامه بتصرف.

وأما بخصوص شارب الخمر: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة. متفق عليه.
قال النووي: معناه: أنه يحرم شربها في الجنة وإن دخلها, فإنها من فاخر شراب الجنة فيمنعها هذا العاصي بشربها في الدنيا, قيل: إنه ينسى شهوتها، لأن الجنة فيها كل ما يشتهي, وقيل: لا يشتهيها وإن ذكرها, ويكون هذا نقص نعيم في حقه تمييزا بينه وبين تارك شربها.

وقال ابن حجر في فتح الباري: قال ـ يعني ابن عبد البر ـ ويحمل الحديث عند أهل السنة على أنه لا يدخلها ولا يشرب الخمر فيها إلا إن عفا الله عنه كما في بقية الكبائر وهو في المشيئة, فعلى هذا فمعنى الحديث: جزاؤه في الآخرة أن يحرمها لحرمانه دخول الجنة إلا إن عفا الله عنه، قال: وجائز أن يدخل الجنة بالعفو ثم لا يشرب فيها خمرا ولا تشتهيها نفسه وإن علم بوجودها فيها, ويؤيده حديث أبي سعيد مرفوعا: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة, وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو ـ قلت: أخرجه الطيالسي وصححه ابن حبان، وقريب منه حديث عبد الله بن عمرو رفعه: من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة ـ أخرجه أحمد بسند حسن, وقد لخص عياض كلام ابن عبد البر وزاد احتمالا آخر، وهو أن المراد بحرمانه شربها أنه يحبس عن الجنة مدة إذا أراد الله عقوبته, ومثله الحديث الآخر: لم يرح رائحة الجنة.

وما ذكرناه من معاقبة شارب الخمر بحرمانه من خمر الآخرة، فهو وإن كان مناسبا للمعصية إلا إنه لا يندرج تحت قاعدة الجزاء من جنس العمل، فيما يظهر، وإنما هو من باب المعاقبة بالنقيض.
وأما حرمان الزاني من الحور العين: فلم نقف على دليل بهذا الشأن، ثم إنه لا يندرج تحت قاعدة الجزاء من جنس العمل كما بينا، لكن المعتاد أن الزاني يجازى من جنس عمله في الدنيا، كما قال المقري في منظومة له:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم    * وتجنبوا ما لا يليق بمسلم

يا هاتكا حرم الرجال وتابعا    * طرق الفساد تعيش غير مكرم

من يزن في قوم بألفي درهم    * في أهله يزني بربع الدرهم

إن الزنا دين إذا أقرضته    * كان الوفا من أهل بيتك فاعلم.

وانظر الفتويين رقم: 164967، ورقم: 62719.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة