السؤال
بارك الله فيكم: التبس علي أمر، حيث سمعت حديثا معناه: أن المرأة إذا آذت زوجها تقول الحور العين: قاتلك الله. فإذا كانت المرأة ـ بإذن الله ـ أفضل منهن بالعبادة والطاعة، وهي كالسيدة لهن في الجنة، وفضلها عليهن كفضل ظاهر الثوب على باطنه، فكيف يقلن ذلك؟ أريد جوابا شافيا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج أحمد، والترمذي، وابن ماجه عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه، قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا. وقال الذهبي في السير: إسناده صحيح متصل ـ وصححه الألباني.
وأما عن تفضيل المؤمنات من نساء الدنيا على الحور العين: فلا نعلم دليلا صريحا صحيحا فيه، وما ورد من أن فضل المؤمنات على الحور كفضل ظاهر الثوب عن باطنه، فضعيف لا يصح، كما بيناه في الفتوى رقم: 35117.
ولم نقف على دليل بأن المؤمنة من نساء الدنيا كالسيدة للحور العين، ولو قيل بأن المؤمنات من نساء الدنيا أفضل من الحور العين، فما علاقة ذلك بدعاء الحور العين على من آذت زوجها من نساء الدنيا؟ فليس هناك تعارض، وليس في الشرع، ولا في العقل ما يمنع من دعاء المفضول على الفاضل إذا وجد المقتضي لذلك، ونوصيك بالسؤال عما ينفعك في دينك، وألا تشتغلي بالتنقيب والبحث عما لا ينبني عليه عمل، جاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل في كراهة السؤال عن الغرائب، وعما لا ينتفع، ولا يعمل به وما لم يكن ـ وذكر تحته آثارا عن الإمام أحمد منها: قال المروزي: قال أبو عبد الله: سألني رجل مرة عن يأجوج ومأجوج أمسلمون هم؟ فقلت له: أحكمت العلم حتى تسأل عن ذا؟ ونقل أحمد بن أصرم عن أحمد أنه سئل عن مسألة في اللعان، فقال سل - رحمك الله - عما ابتليت به، وقال أحمد بن جيان القطيعي: دخلت على أبي عبد الله فقلت: أتوضأ بماء النورة؟ فقال ما أحب ذلك، فقلت: أتوضأ بماء الباقلا؟ قال: ما أحب ذلك، قال: ثم قمت فتعلق بثوبي وقال: إيش تقول إذا دخلت المسجد؟ فسكت، فقال: إيش تقول إذا خرجت من المسجد؟ فسكت، فقال: اذهب فتعلم هذا، ثم قال ابن مفلح: وقد تضمن ذلك أنه يكره عند أحمد السؤال عما لا ينفع السائل ويترك ما ينفعه ويحتاجه. اهـ.
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ واصفا حال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكن إنما كانوا يسألونه عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يسألونه عن المقدرات والأغلوطات، وعضل المسائل ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به، فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه فأجابهم. اهـ.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 240223.
والله أعلم.