السؤال
هل الحديد وجد على الأرض منذ خلقت، أم نزل من السماء كما ورد في الآية: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس)؟
هل الحديد وجد على الأرض منذ خلقت، أم نزل من السماء كما ورد في الآية: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس)؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في المراد بإنزال الحديد في الآية الكريمة من سورة الحديد: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز [الحديد:25]. وقد تنوعت عبارات المفسرين حول الإنزال المذكور في قوله: وأنزلنا الحديد.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في تفسيره (زاد المسير) 8/174: قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد) فيه قولان:
أحدهما: أن الله أنزل مع آدم السندان، والكلبتين، والمطرقة، قاله ابن عباس.
الثاني: أن معنى أنزلنا: أنشأنا وخلقنا، كقوله تعالى: (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) [الزمر:6]. اهـ.
وذكر القرطبي -رحمه الله- في تفسيره نحوه.
والأثر المذكور عن ابن عباس رواه إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله في تفسيره عن حبر الأمة ابن عباس قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم صلوات الله عليه: السندان والكلبتان، والمنقعة، والمطرقة. اهـ. ولكن كل ما ذكره هؤلاء لا ينهض دليلا.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: وما يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن آدم عليه السلام نزل من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والمنقعة والمطرقة والإبرة فهو كذب لا يثبت مثله، وكذلك الحديث الذي رواه الثعلبي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض، فأنزل الحديد والماء والنار والملح" حديث موضوع مكذوب في إسناده سيف بن محمد بن أخت سفيان الثوري رحمه الله وهو من الكذابين المعروفين.
ثم رجح أن المقصود من الإنزال: المعنى الحقيقي لا المجازي فقال: ليس في القرآن ولا في السنة لفظ نزول إلا وفيه معنى النزول المعروف، وهذا هو اللائق بالقرآن، فإنه نزل بلغة العرب، ولا تعرف العرب نزولا إلا بهذا المعنى، ولو أريد غير هذا المعنى لكان خطابا بغير لغتها، ثم هو استعمال اللفظ المعروف له معنى في معنى آخر بلا بيان، وهذا لا يجوز. اهـ.
وقال -أيضا- في قوله تعالى: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر:6]: لا حاجة إلى إخراج اللفظ عن معناه المعروف لغة، فإن الأنعام تنزل من بطون أمهاتها ومن أصلاب آبائها... ومما يبين هذا أنه لم يستعمل النزول فيما خلق من السفليات فلم يقل أنزل النبات، ولا أنزل المرعى، وإنما استعمل فيما يخلق في محل عال، وأنزله الله من ذلك المحل كالحديد والأنعام. اهـ.
وبهذا يعلم السائل أن الصحيح أن الحديد أنزل إلى الأرض، ولم يكن من أجزائها.
والله أعلم.