السؤال
قرأت هذا الكلام (العلماء أجمعوا على أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال لذلك يجب الاستفادة من المتغيرات ) لكني غير مقتنع به فهل هذا الكلام صحيح . أرجو الإجابة مع الاستدلال بالأدلة الشرعية والسنة ؟ وجزاكم الله خيرا.....
قرأت هذا الكلام (العلماء أجمعوا على أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال لذلك يجب الاستفادة من المتغيرات ) لكني غير مقتنع به فهل هذا الكلام صحيح . أرجو الإجابة مع الاستدلال بالأدلة الشرعية والسنة ؟ وجزاكم الله خيرا.....
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن رحمة الله تعالى أنه جعل هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وذلك مراعاة لمصالح العباد في المعاش والمعاد، فهي عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه، فبها يصلح حال الناس، وتستقيم بها أمورهم، وبانعدامها تسوء أحوالهم وتضطرب.
وعليه فلا غرابة - أخي الكريم - في مراعاة الشريعة السمحة لحال الزمان والمكان والعادات، وهذا -بحمد الله- ما يدركه كل من درس مقاصدها.
ولقد تحدث العلماء عند هذا كثيرا وبينوه في كتبهم، وجلبوا له الأدلة والبراهين من السنة وفعل السلف الصالح، ومن هذا ما نقله الزرقاني في شرحه للموطأ من أن عمر بن عبد العزيز كان يقول: تحدث للناس أقضية يقدر ما أحدثوا من الفجور.
ولقد ذكر ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين أمثلة عديدة تدل على تأثر الفتوى بالأمور المشار إليها نذكر لك منها ما يلي:
المثال الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وقد حكى عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه قال: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه وقلت له: إنما ذم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم.
المثال الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن قطع الأيدي في الغزو. رواه أبو داود.
فهذا حد من حدود الله تعالى قد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا، ولا يخفى ما في هذا من تأثر الفتوى بالمكان.
أما مثال الثالث: تغيرها بالزمان فهو إسقاط عمر بن الخطاب لحد السرقة عام الرمادة، قال ابن القيم: نقلا عن السعدي قال عمر: لا تقطع اليد في عزق ولا عام سنة.
قال السعدي: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث، فقال: العزق النخلة، وعام سنة المجاعة، فقلت لـ أحمد تقول به ؟ فقال: إي لعمري.
ومما قدمناه يتضح للسائل صحة تلك المقولة التي ذكرها، ويجب التنبه إلى أن التأثر بالزمان والمكان الذي ذكره العلماء ليس هو الذي يروج له المنهزمون وسماسرتهم ممن ينتسبون إلى العلم والتمسك به زورا وبهتانا، وهم يهدمون أركانه كل حين، وينقضون عراه عروة حتى أصبحت المسلمات محل نقاش والثوابت محل نزاع، فطلع علينا من يبيح الربا وقد حرمه الله في محكم كتابه، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم -في الحديث المتفق عليه- آكله وموكله وكاتبه وشاهديه. وأجمعت الأمة على أن من زعم حله فقد كفر كفرا مخرجا من الملة؛ لأنه أنكر ما علم من الدين بالضرورة وهو حرمة الربا، ورد نصوص الكتاب والسنة.
ومن هؤلاء من ينكر عذاب القبر، ومنهم من يزعم عدم وجود يأجوج ومأجوج الآن، وهذا رد صريح لنصوص الشرع لا يجتمع مع الإيمان بالله ورسوله والتصديق بما جاء عنهما بحال.
وقد كثر هذا الصنف من الناس كثرة تجعل المفكر في الرد على كل نزوة من نزوات هؤلاء يتذكر قول القائل:
لو كل عاو عوى ألقمته حجرا === لأصبح الصخر مثقالا بدينار
والله أعلم.