الوفاء بالعهود والمواثيق والبعد عن الخيانة من أخلاق المسلم

0 351

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
شيخنا الكريم.
شاركت صديقا عزيزا( مقاول كهرباء) وعمه في محل لمواد الكهرباء، على أساس وعد أخذه على نفسه، وهو شراء بضاعة مشاريعه من المحل، وتعهد بإدارة المحل بحكم خبرته في السوق، وكفاءته. المحل كان أمانة في عنقه؛ لأن عمه يعيش في بريطانيا، وأنا كنت أعيش في أمريكا، وأسعى لأوراق الهجرة. ولكنه للأسف، خان الأمانة، ولم يف تماما بما وعد به، وعاهد عليه. كان يأخذ بضاعة لمشاريعه بالدين من المحل، وعندما كنا نطالبه بتسديد الدين، كان يحلف يمينا بالله أنه ليس معه ما يسدد به، ويستغل ثقتنا فيه، ويماطل في تسديد الدين.
وبعد 8 سنين من الشراكة، تبين لي أنه خلال هذه السنين كان يماطل، ويستغل المال(الدين) لمصلحته الخاصة، ويستثمره في البورصة، وشركات خاصة شارك فيها من هذا المال. بعد أن يتمم استثماراته الخاصة، واستغلال المال المدين به للمحل لمصالحه الخاصة، يبدأ بتسديد الدين الذي عليه للمحل. أليس هذا يا شيخ بغيا، وجورا، وظلما، وأكلا لأموال الشركاء بالباطل؟
وتبين لي أيضا أنه يشتري بضاعة من محلات أخرى، ومن تجار الجملة، والأسعار المحروقة ليستفيد من الربح لنفسه بدلا من المحل كما وعدنا، وفي الوقت نفسه هو مدين للمحل بمبالغ كبيرة. سبحان الله، استغل الثقة، وخان الأمانة، ونكث بالوعد والعهد من أجل دراهم معدودة. ترتب على أفعاله أذى للشركاء، وضرر كبير على المحل (عدم توفر السيولة، ديون ضخمة لتجار الجملة، وشيكات بلا رصيد)، وهو أصبح صاحب شركات، وعقارات على حساب المحل. عندما واجهته، قال "هكذا السوق، التجار يعطونا بالآجل ويصبرون علينا، وأنا آخذ بالآجل وعليك أن تصبر علي".
يا شيخنا لم نماطل أبدا مع التجار، بل كنا نكتب لهم شيكات آجلة، أولا بأول ليضمنوا حقهم. ولكن للأسف كثير منها يرجع بلا رصيد في البنك بسبب مماطلة الزبائن لنا، فنحاول بأقصى جهدنا سدادها كلما توفر المال، المحل كان دائما غارقا في الديون، والشيكات بلا رصيد، وهو على علم بذلك، وهو أعلم بسوء حال الشركة، ولكن سبحان الله. هذا لم يمنعه من الاستغلال، والمماطلة.
أما بالنسبة لإدارة المحل، فإنه لم يف بها، بل كان دوما يتهرب من المسؤولية التي عاهدنا عليها بأعذار واهية. وترتب على إهماله خسائر مادية كبيرة للشركة خلال هذه السنين، بسبب مشتريات بأعلى من سعر السوق، لعدم كفاءة وإهمال الموظفين، وعدم متابعة شريكي المؤتمن لأسعار، وكميات المشتريات، ومتابعة حسن أداء الموظفين للأسف، المحل ليس مهما عنده أن يربح أو ينجح، طالما هو شخصيا مستفيد، لم يهتم سوى بربحه، ومصالحه الخاصة. طلبت منه حقي للأضرار والأذى الذي تسبب به نقضه للعهد والوعد، واستغلال المحل لمصالحه الخاصة، وربحه على حساب الشركة، لكنه رفض. طلبت منه أن نحكم بيننا أهل السوق، والمقاولين، وأصحاب الخبرة، لنرى من منا على حق، لكنه رفض. طلبت منه أن يحلف يمينا على المصحف بأنه لم يستغل المحل، لم يخن الأمانة، لم ينقض العهد والوعد الذي أخذه على نفسه، لكنه رفض. بعثت له رسائل فيها دروس دينية، وآيات قرآنية، وأحاديث للصادق الأمين، عن نقض العهود، واليمين الغموس، وظلم المماطل. كنت أحسبه من أهل الله. ألا يحسب أفعاله من الممكن أن تكون من الكبائر. هل هذه أخلاق ديننا الحنيف يا شيخ؟ ربما يظن أنه لم يعمل شيئا يغضب الله. ربما لو سمع رأيك الشرعي في أفعاله، يعود عن كبره، وعناده، ويعترف بذنوبه، ويرد لي حقي. لا أدري يا شيخ، أليس رفضه لحلف اليمين على المصحف دليلا عليه؟ ورفضه لتحكيم أهل السوق، أيضا دليل عليه؟ الآن بعت حصتي من المحل. هل أذهب به إلى القضاء لكي يرد لي حقي، أو يحلف اليمين الحاسمة؟
يا شيخ: هل ما فعله معنا صديقي، وشريكي المقاول، حلال أم حرام؟ هل يجوز استغلال أموال الشركة، وأكلها بالباطل، ونقضه للعهد والوعد على أنها مجرد كلمة قالها؟
ملاحظة: قبل أن أتخذ قرار مشاركة صديقي في المحل، قلت له أخي عرض علي أن أشترى سيارة أجرة، وأضمنها له مقابل300 دينار شهري، وكنت أفكر في شراء سيارة أجرة، كان رده بحماس شديد، ال 300 دينار لا شيء بالنسبة لدخل المحل، وما سيدره علينا من فائدة كبيرة وأرباح. ومن وراء هذه الأرباح سنبني مساكن، ونشتري سيارات، ونعيش عيشة طيبة، وضرب لي مثالا على ذلك بمحل كان يتعامل معه، فرجحت كفة المحل على سيارة الأجرة، وقررت مشاركته. بعد ما تبينت خيانته لنا، وتخاصمنا، قلت له، عبر وسيط بيننا، إنه غرر بي لمشاركته في المحل بدلا من شراء سيارة الأجرة، وهذا حرام. كان رده "أنا لم أضرب يدك لمشاركتي" هل التغرير حلال أم حرام؟
أفتونا جزاكم الله خيرا.
عذرا شيخنا على الإطالة.
جزاك الله عنا ألف خير يا شيخ.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت فيما كتبت كثيرا عن خصمك مما تدعيه عليه من ظلم، وخيانة للأمانة، ومماطلة في أداء الحق، ونكث للوعد. غير أننا في مسائل الخصومات، وقضايا المنازعات، نحيل السائل إلى القضاء حتى يسمع من طرفي الخصومة، ويؤخذ للمظلوم حقه عند تعنت الظالم، ولا يكفي في نحو ذلك مجرد السؤال عن بعد، والسماع من طرف واحد.

ومهما يكن من أمر، فلا يجوز للشريك خيانة شريكه، أو ممطالته في أداء ما عليه له من حقوق ما دام موسرا، قادرا على الوفاء؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم. رواه أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه وصححه الألباني.

والوفاء بالعهد، والميثاق، والوعد كل هذه من الأخلاق المهمة في ديننا الحنيف؛ قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود {المائدة:1}. وقال تعالى:  وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا {الإسراء:34}.
كما حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من إخلاف الوعد، وبين أنه خصلة من خصال النفاق، فقال: أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر. متفق عليه. 

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة