السؤال
اقتنعت برأي أحد الشيوخ، بأن الله خلق الحور العين للرجل في الجنة بإذن الله كمتعة له، وتكون تلك المتعة من طرفه فقط، وكان ذلك في تفسير الشعراوي لقوله تعالى: (كذلك وزوجناهم بحور عين ) صدق الله العظيم.
وأن المرأة نظرا لطبيعتها، فليس لها حور عين حتى لا يتمتع بجمالها أحد غير زوجها؛ لأنها بإذن الله إذا دخلت الجنة، فيريد الله أن يمتعها، ولا يمتع غيرها بها.
ولكن السؤال هو عن تعدد نساء أهل الدنيا للرجل الواحد، فإذا كان الله أعطى ذلك الحق للرجل في الدنيا، ومنعه من النساء نظرا لطبيعتهن في موضوع الإنجاب، فأيضا عالج الله للنساء مشكلة الغيرة، وعدم قدرتهن على تحمل ذلك بمنحهن الحق في وضع شرط في عقد زواجهن ألا يتزوج عليهن أزوجهن. فهل يمنحها الله ذلك الحق في الدنيا ويأخذه منها في الآخرة! وذلك بناء على ما قرأته في إحدى فتاويكم بأن لأدنى أهل الجنة اثنتين من نساء الدنيا. وهل معنى ذلك أنه ستكون بإذن الله السيدة فاطمة الزهراء، مع زوجها علي بن أبي طالب في الجنة، ومعها غيرها من النساء اللائي تزوجهن سيدنا علي بعد وفاتها، على الرغم من رفضها أن يتزوج عليها في الدنيا، وموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، يعني أن ذلك جائز لها شرعا؟
وهل أيضا معنى ذلك أن سيدنا عثمان بن عفان، سوف يكون في الجنة مع اثنتين من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم هما: السيدة رقية، والسيدة أم كلثوم؛ لأنهما كانتا زوجتيه على الرغم من أنهما أختان؟
السؤال ليس اعتراضا، ولكنه من باب التفكير في الحكمة، ويرضينا كل ما يرضي الله، ويأمر به.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ورد إلينا منك سؤال سابق من جنس أسئلة الشبهات، ومثل هذه القضايا لا ينبني عليها عمل، فالأولى بالمرأة المسلمة أن تصرف همتها إلى ما ينفعها من أمر دينها ودنياها، وإذا رغبت في السؤال أن تسأل عما وراءه عمل.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين: إنما كانوا ـ رضي الله عنهم ـ يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يسألونه عن المقدرات، والأغلوطات، وعضل المسائل، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به، فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه فأجابهم. اهـ.
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: ... فالذي يتعين على المسلم الاعتناء به، والاهتمام أن يبحث عما جاء عن الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يجتهد في فهم ذلك، والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العلمية، وإن كان من الأمور العملية بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر، واجتناب ما ينهى عنه، وتكون همته مصروفة بالكلية إلى ذلك، لا إلى غيره، وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان في طلب العلم النافع من الكتاب، والسنة... اهـ.
ومما ينبغي التنبيه عليه هو أن أمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا، فالفرق بينهما كبير، والأحوال في الكون، والأنفس تتغير. يدل على ذلك ما رواه أحمد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنف مشاة، وصنف ركبان، وصنف على وجوههم. فقالوا: يا رسول الله، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: إن الذي أمشاهم على أرجلهم، قادر على أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب، وشوك. فهم قد استغربوا أن يحدث ما لم يعهدوه في الدنيا، فأخبرهم أن حال الآخرة غير حال الدنيا.
فإذا كانت المرأة تغار على زوجها في الدنيا أن يتزوج عليها غيرها، فذلك منتف في الآخرة، فيمكن أن يكون لعلي رضي الله عنه أزواج في الجنة -غير فاطمة رضي الله عنها مع أنها كانت لا ترتضي ذلك في الدنيا؛ ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 163241 وهي عن شبهة حول منع علي من الزواج على فاطمة والرد عليها.
وبخصوص جمع عثمان رضي الله عنه بين الأختين في الجنة فهذا ممكن، فالجنة ليست دار تكليف، كما سبق وأن بينا في الفتوى رقم: 230077.
والله أعلم.