السؤال
كيف يجب أن يكون يومنا ومتى ننام ومتى نستيقظ؟ وأيهما أصح: أن نستيقظ لقيام الليل ثم نصلي الفجر وننام، ثم نستيقظ للذهاب إلى العمل؟ وهل هذا يمنع الرزق لأنه نوم الصبيحة؟ أم أن نستيقظ لقيام الليل ثم نصلي الفجر ونظل مستيقظين، وهذا ستكون فيه مشقة على من يذهب إلى العمل؟ وماذا كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يستيقظ عند صياح الديك، فهل كان ينام بعد صلاة الفجر؟ أم يظل مستيقظا إلى صلاة العشاء؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل بعد العشاء، إذ كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها، كما رواه البخاري، ثم يستيقظ في أول النصف الثاني من الليل فيقوم ثلث الليل، ثم ينام سدسه الباقي، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما ويفطر يوما.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: من تدبر نومه ويقظته صلى الله عليه وسلم وجده أعدل نوم، وأنفعه للبدن والأعضاء والقوى، فإنه كان ينام أول الليل، ويستيقظ في أول النصف الثاني، فيقوم ويستاك، ويتوضأ ويصلي ما كتب الله له، فيأخذ البدن والأعضاء، والقوى حظها من النوم والراحة، وحظها من الرياضة مع وفور الأجر، وهذا غاية صلاح القلب والبدن، والدنيا والآخرة. انتهى.
وكان صلى الله عليه وسلم ينام وقت القيلولة، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد في حديث الجساسة الطويل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولكن تميما الداري أتاني فأخبرني خبرا منعني القيلولة من الفرح وقرة العين. انتهى.
وكان أصحابه كذلك على هذا الحال، فقد روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة. انتهى.
وأما ما يكره من النوم: فالنوم قبل العشاء أي بعد المغرب، كما مر، ونوم النهار فإنه رديء إلا القيلولة كما سبق، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الزاد: ونوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل، ويفسد اللون، ويورث الطحال، ويرخي العصب، ويكسل، ويضعف الشهوة إلا في الصيف وقت الهاجرة، وأردؤه نوم أول النهار، وأردأ منه النوم آخره بعد العصر، ورأى عبد الله بن عباس ابنا له نائما نومة الصبحة، فقال له: قم، أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق؟ وقيل: نوم النهار ثلاثة: خلق، وحرق، وحمق، فالخلق: نومة الهاجرة، وهي خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحرق: نومة الضحى، تشغل عن أمر الدنيا والآخرة، والحمق: نومة العصر، قال بعض السلف: من نام بعد العصر فاختلس عقله، فلا يلومن إلا نفسه، وقال الشاعر: ألا إن نومات الضحى تورث الفتى ... خبالا ونومات العصير جنون ـ ونوم الصبحة يمنع الرزق، لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها، وهو وقت قسمة الأرزاق، فنومه حرمان إلا لعارض أو ضرورة، وهو مضر جدا بالبدن لإرخائه البدن، وإفساده للفضلات التي ينبغي تحليلها بالرياضة، فيحدث تكسرا وعيا وضعفا. انتهى.
فتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينام بعد الفجر، وإنما ينام وقت القيلولة، فإذا شق على المسلم عدم النوم بعد الفجر فله أن ينام ليستعين بذلك على عمله، وإن كان الأولى والأفضل ترك النوم بعد الفجر، وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 2432، ورقم: 18860.
والله أعلم.