كثرة الكلام في غير فائدة، واستثقاله فيما فيه فائدة أمارة على مرض القلب

0 328

السؤال

أشعر بغضب الله علي، فأنا لا أستطيع الصمت، وأريد التحدث كثيرا في أي شيء، وعندما يأتي ما يؤجر عليه أشعر بثقل لساني.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فكثرة الكلام في غير فائدة، واستثقاله فيما فيه فائدة أمارة على مرض القلب؛ إذ الألسن مغارف القلوب، وحركة اللسان تدل على ما في القلب، فالقلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، والمرء حين يتكلم، فإن لسانه يغترف مما في قلبه حلوا وحامضا، وعذبا وأجاجا، وغير ذلك، ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه، وما أقبح حال المرء وهو يثرثر بما لا خير فيه، وفي الحديث الذي رواه الترمذي: وإن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون.

أي: الذين يكثرون الكلام تكلفا وتشدقا، والثرثرة كثرة الكلام وترديده، قال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في رياض الصالحين: اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء. اهـ.

ولما أدرك سلفنا الصالح خطورة اللسان، وما يصدر عنه من كلام احترزوا منه أشد الاحتراز، حتى كان الواحد منهم يحاسب نفسه في قوله: يوم حار، ويوم بارد ـ ولقد رؤي بعض الأكابر من أهل العلم في النوم، فسئل عن حاله، فقال: أنا موقوف على كلمة قلتها، قلت: ما أحوج الناس إلى غيث، فقيل لي: وما يدريك! أأنت أعلم بحاجة عبادي مني؟.

وروى الحاكم في المستدرك أن شداد بن أوس ـ رضي الله عنه ـ قال مرة لأصحابه: هاتوا السفرة نعبث بها، ثم قال: أستغفر الله، ما أتكلم بكلمة إلا وأنا أخطمها وأزمها إلا هذه الكلمة، خرجت مني بغير خطام ولا زمام. اهـ.

وقال ابن بريدة: رأيت ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ آخذ بلسانه، وهو يقول: ويحك قل خيرا تغنم، أو اسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم، فقيل له: يا ابن عباس، لم تقول هذا؟ قال: إنه بلغني أن الإنسان أراه قال: ليس على شيء من جسده أشد حنقا وغيظا يوم القيامة منه على لسانه إلا من قال خيرا أو أملى به خيرا.

وقال يونس بن عبيد: ما رأيت أحدا لسانه منه على بال إلا رأيت ذلك في سائر عمله، ولا فسد منطق رجل قط إلا عرفت ذلك في سائر عمله, وفي الموطأ عن أسلم أن عمر دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مه، غفر الله لك، فقال أبو بكر: إن هذا أوردني الموارد.. 

وعن عمر -رضي الله عنه- قال: من كثر كلامه كثر سقطه. وعن ابن مسعود قال: أنذركم فضول الكلام، بحسب أحدكم ما بلغ حاجته.

وعن علي -رضي الله عنه- قال: اللسان قوام البدن، فإذا استقام اللسان استقامت الجوارح, وإذا اضطرب اللسان لم تقم له جارحة

وقال محمد ابن واسع -رحمه الله-: حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم.

فجاهد نفسك -أخي السائل- على كف لسانك إلا في الخير، واستحضر دائما أن في الصمت السلامة، كما في الحديث: من صمت نجا. رواه أحمد، والترمذي.

وفي المثل السائر: إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب ـ وهذا حق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة