السؤال
أريد أن أسألكم سؤالا: بصراحة بعض الناس أتعب عقلي ، ربنا يهديه ، جعلني أشك في ديني ، حيث قال لي: إن الله تعالى لا يرى لأن النظر من صفات الضعفاء والمخلوقين، وإن الله يعلم ويعرف ما يحدث بوسائل أرقى من النظر، وصراحة الكلام قوي، وأنا صرت أشك ، وأنا أعرف أن هذا غلط ، لكن كيف أرد على هذا الرجل؟ ربنا يهديه.
وشكرا لكم. ربنا يعطيكم الصحة والعافية.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان صاحبك هذا مسلما مؤمنا بالقرآن وبالنبي صلى الله عليه وسلم، فيكفي أن تتفقا على أنكما لم تريا الله تعالى، ولا سبيل لمعرفة شيء من صفاته عز وجل إلا بإخباره لنا في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. فإذا وصف الله نفسه بشيء، أو وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم، وجب علينا الإيمان والتسليم. وقد وصف الله تعالى نفسه بالرؤية فقال: {ألم يعلم بأن الله يرى} [العلق: 14] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" البخاري ومسلم.
ووصف الله تعالى نفسه بالبصر أيضا، فقال: {وكان ربك بصيرا } [الفرقان: 20] وقال: {بلى إن ربه كان به بصيرا} [الانشقاق: 15] وقال على لسان نبيه موسى: {إنك كنت بنا بصيرا} [طه: 35] وقرن سبحانه بين البصر وغيره من الصفات المتعلقة بالعلم، فدل على المغايرة، ومن ذلك قوله سبحانه: {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا} [الإسراء: 96] وقرن كذلك بين السمع والبصر فقال: {إن الله كان سميعا بصيرا} [النساء: 58] وقال لموسى وهارون: { لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46]. وقد عاب الخليل إبراهيم ـ عليه السلام ـ على أبيه أنه يعبد ما لا يبصر فقال: {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا} [مريم: 42].
والمقصود أن الوصف بالبصر والرؤية مراد لذاته، لإثبات صفة حقيقية ذاتية لله تعالى، غير صفة العلم، ولذلك يأتي الوصفان في سياق واحد في آية واحدة، كقوله تعالى: {إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون} [الحجرات: 18] وقوله: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير} [الحديد: 4] وقوله: {قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع} [الكهف: 26].
وهذا لا يعني أن صفة الرؤية أو البصر الثابتة لله تعالى مماثلة لصفة المخلوقين، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وقد جمع الله تعالى بين الإثبات والتنزيه في قوله: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]. قال قوام السنة الأصبهاني في (الحجة): قال الله تعالى: {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا} وقال: {تجري بأعيننا} وقال: {ولتصنع على عيني} وقال: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ؛ فواجب على كل مؤمن أن يثبت من صفات الله عز وجل ما أثبته الله لنفسه، وليس بمؤمن من ينفي عن الله ما أثبته الله لنفسه في كتابه؛ فرؤية الخالق لا تكون كرؤية المخلوق، وسمع الخالق لا يكون كسمع المخلوق، قال الله تعالى: {فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} وليس رؤية الله تعالى أعمال بني آدم كرؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وإن كان اسم الرؤية يقع على الجميع، وقال تعالى: {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر} ، جل وتعالى عن أن يشبه صفة شيء من خلقه صفته، أو فعل أحد من خلقه فعله؛ فالله تعالى يرى ما تحت الثرى، وما تحت الأرض السابعة السفلى، وما في السماوات العلى، لا يغيب عن بصره شيء من ذلك ولا يخفى؛ يرى ما في جوف البحار ولججها كما يرى ما في السموات، وبنو آدم يرون ما قرب من أبصارهم، ولا تدرك أبصارهم ما يبعد منهم، لا يدرك بصر أحد من الآدميين ما يكون بينه وبينه حجاب، وقد تتفق الأسامي وتختلف المعاني. اهـ.
وخلاصة عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الصفات أنهم يثبتون ما أثبته الله تعالى لنفسه منها على الوجه اللائق به، من غير تشبيه له بخلقه، ومن غير توهم كيفية لصفاته، ولا يتكلفون ما ليس لهم به علم، لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فإن كنا لا نعرف حقيقة ذاته، فإننا بالأحرى لا نعرف حقيقة صفاته، ولا نحيط بها علما، إلا أنها بلغت الغاية في الكمال، ولا يشوبها نقص بوجه من الوجوه. ومع كوننا لا نعلم بكيفية صفاته سبحانه وتعالى، إلا أننا نفهم معانيها على وفق ما تدل عليه لغة العرب مع تنزيه صفات الله تعالى عن مماثلة صفات الخلق، وراجع في ذلك الفتويين: 55011، 50216. وراجع في إثبات صفة العينين لله تعالى الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 64765، 198751، 198755، 173177.
والله أعلم.