لماذا لم يقتل عثمان بن عفان عبيد الله بن عمر عندما قتل الهرمزان وابنة أبي لؤلؤة؟

0 413

السؤال

لماذا لم يقتل عثمان بن عفان عبيد الله بن عمر ـ رضي الله عنهم ـ عندما قتل الهرمزان، وابنة أبي لؤلؤة المجوسي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر أهل العلم في عفو عثمان ـ رضي الله عنه ـ عن عبيد الله بن عمر قتله الهرمزان أكثر من جواب، ولعل من أفضلها جوابين ذكرهما شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:

فالجواب الأول: أن عبيد الله كان متأولا أن الهرمزان أعان على قتل أبيه، فكانت هذه شبهة مانعة من وجوب القصاص، فقال ـ رحمه الله ـ في منهاج السنة: ولو قدر أن المقتول معصوم الدم يحرم قتله، لكن كان القاتل متأولا يعتقد حل قتله لشبهة ظاهرة، صار ذلك شبهة تدرأ القتل عن القاتل، كما أن أسامة بن زيد لما قتل ذلك الرجل بعدما قال: لا إله إلا الله واعتقد أن هذا القول لا يعصمه، عزره النبي صلى الله عليه وسلم بالكلام، ولم يقتله؛ لأنه كان متأولا، لكن الذي قتله أسامة كان مباحا قبل القتل، فشك في العاصم، وإذا كان عبيد الله بن عمر متأولا يعتقد أن الهرمزان أعان على قتل أبيه، وأنه يجوز له قتله، صارت هذه شبهة يجوز أن يجعلها المجتهد مانعة من وجوب القصاص، فإن مسائل القصاص فيها مسائل كثيرة اجتهادية. انتهى.

وأما الجواب الثاني: فهو أن الهرمزان لم يكن له أولياء يطلبون دمه، وإنما وليه ولي الأمر، فاختار عثمان ـ رضي الله عنه ـ الدية على القصاص، وهذا الجواب جواب أيضا عن قتل عبيد الله بن عمر ابنة أبي لؤلؤة المجوسي، وعفو عثمان عنه، كما سننقله عن ابن كثير، قال شيخ الإسلام في منهاج السنة: وأيضا فالهرمزان لم يكن له أولياء يطلبون دمه، وإنما وليه ولي الأمر، ومثل هذا إذا قتله قاتل كان للإمام قتل قاتله؛ لأنه وليه، وكان له العفو عنه ـ إلى الدية؛ لئلا تضيع حقوق المسلمين ـ فإذا قدر أن عثمان عفا عنه، ورأى قدر الدية أن يعطيها لآل عمر؛ لما كان على عمر من الدين، فإنه كان عليه ثمانون ألفا، وأمر أهله أن يقضوا دينه من أموال عصبته عاقلته بني عدي وقريش، فإن عاقلة الرجل هم الذين يحملون كله، والدية لو طالب بها عبيد الله، أو عصبة عبيد الله إذا كان قتله خطأ ـ أو عفا عنه إلى الدية ـ فهم الذين يؤدون دين عمر، فإذا أعان بها في دين عمر كان هذا من محاسن عثمان التي يمدح بها لا يذم... وبكل حال فكانت مسألة اجتهادية، وإذا كانت مسألة اجتهادية، وقد رأى طائفة كثيرة من الصحابة أن لا يقتل، ورأى آخرون أن يقتل، لم ينكر على عثمان ما فعله باجتهاده. انتهى.
وقال ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية: وأما أول حكومة حكم ـ أي: عثمان ـ فيها فقضية عبيد الله بن عمر؛ وذلك أنه غدا على ابنة أبي لؤلؤة قاتل عمر فقتلها، وضرب رجلا نصرانيا يقال له جفينة بالسيف فقتله، وضرب الهرمزان الذي كان صاحب تستر فقتله، وكان قد قيل إنهما مالآ أبا لؤلؤة على قتل عمر ـ فالله أعلم ـ وقد كان عمر قد أمر بسجنه ليحكم فيه الخليفة من بعده، فلما ولي عثمان وجلس للناس كان أول ما تحوكم إليه في شأن عبيد الله، فقال علي: ما من العدل تركه، وأمر بقتله، وقال بعض المهاجرين: أيقتل أبوه بالأمس ويقتل هو اليوم؟ فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، قد برأك الله من ذلك، قضية لم تكن في أيامك فدعها عنك، فودى عثمان ـ رضي الله عنه ـ أولئك القتلى من ماله؛ لأن أمرهم إليه، إذ لا وارث لهم إلا بيت المال، والإمام يرى الأصلح في ذلك، وخلى سبيل عبيد الله. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة