ما حكم نقل كلام يتعلق بالشرف ‏من أجل التحقق من صحة الكلام؟

0 388

السؤال

ما حكم نقل كلام يتعلق بالشرف ‏من أجل التحقق من صحة الكلام، ‏ووضع حد لمن قيل عنه إذا كان ‏صحيحا، أو لمن قال الكلام إذا كان ‏باطلا؛ لدرء المفاسد والفتن؟‏ فبما أني مقيم خارج بلدي منذ ‏أكثر من 16 عاما مع زوجتي، ‏والأولاد، وقبل 9 ‏أشهر كنت في إجازة وجاءت ‏إحدى زوجات إخوتي لبيتي ليلا، ‏وقالت كلاما لزوجتي يتعلق بإحدى ‏بنات أخي الأكبر عن اتصالات، ‏وكلام مع أغراب، وهي أصلا ‏متزوجة، وبعد إلحاح شديد على ‏زوجتي، أخبرتني بما قالت زوجة ‏أخي، فساءني الموضوع، وهذا الكلام، ولإقامتي خارج بلدي، قابلت أحد إخوتي -يكبرني بعامين- لاطلاعه على أمور كثيرة في الدين، ‏ولظني أنه ثقة، وسوف يتصرف في ‏الأمر بحكمة وروية، وأسررت له ‏بسري، وشرحت له ما وصلني من ‏كلام، وطلبت منه أن يتأكد حتى نقطع ‏الشك باليقين، ولحرصي على قول ‏الصدق ذكرت له ما دار بين زوجتي ‏وزوجة أخي الآخر من كلام، فما كان ‏منه إلا أن أخبر زوجته بالموضوع ‏لتتأكد من كلام زوجة أخي الآخر ‏بالاتصال بها، هذا مع علم أخي زوج ‏ناقلة الكلام بالموضوع، وتكتمه عليه، ‏ووجود شهود قالوا غير ذلك إلا أن ‏الجميع أنكر، ووقفوا ضدنا، ثم أحضر ‏بنت أخي الأكبر، وفتح معها ‏الموضوع، وقال لها بأن زوجتي هي ‏من قالت هذا الكلام على لسان زوجة ‏أخي الآخر بعد أن أنكرت الأخيرة ما ‏قالت، فما كان منها إلا أن نشرت ‏الموضوع، وأخبرت والديها والجميع ‏بالأمر، ثم جلست مدة 18 يوما بعد ‏ذلك دون أن يتكلم أحد من إخوتي، أو ‏أخواتي معي، وقاطعوني أنا، ‏وزوجتي، والأولاد، وكلما سألت ‏أحدهم: ما الأمر؟ أنكر، وقال: لا شيء، ‏فقد اجتمعوا فيما بينهم واتفقوا ‏على ذلك، كما اتفقوا على جمع ‏إخوتي وأخواتي قبل سفري بيومين، ‏وتطاولوا علي بالسب، والشتم، ‏واتهمونا خصوصا زوجتي بقذف ‏البنت، وطلبوا منا الاعتذار لبنت أخي ‏وزوجها، وإلا رفعوا علينا دعوى، ‏ومنعونا من السفر، أو أحضروا شيوخ ‏عشائر لتبييض عرض الفتاة كما ‏يقولون،‏ ولكوني أصغرهم، وطلبا ‏لرضاهم فقد اعتذرت من أخي الأكبر ‏والد الفتاة، وقبلت رأسه، لكن زوجتي ‏رفضت الاعتذار، وقالت: أنا لم أنقل ‏لأهلك أي كلام، ولم أتكلم في عرض ‏الفتاة، ومن أين لأهلك ذلك، فأنا لم ‏أتحدث مع أخيك منذ وصلنا للإجازة، ‏ومنذ 18 يوما لم يتكلم معنا، أو يزرنا ‏أحد منهم، وأنت من قلت، فاذهب ‏واعتذر منهم، فقلت لها: هذا صحيح، ‏أنا من قال ونقل الكلام، فذهبت ‏للاعتذار، فشتموني، وسبوني وقالوا ‏بأنك لا تتحكم في زوجتك ‏لتجبرها على القدوم والاعتذار، ‏والظاهر أن الحقد والكره لزوجتي ‏ولي كان قديما، وكبيرا فقد حصلت ‏معنا عدة إساءات، فقد سبت هي ‏وأهلها مرة سابقة من طرف أخواتي، ‏وزوجات، وبنات إخوتي في السنوات ‏السابقة، وأساؤوا إليها، وكنت ‏أطلب منها السماح من أجل أننا إخوة، وزوار ‏في كل عام، وسنسافر، فلا نريد أن ‏نترك حزازات ومشاكل، ثم خرجت ‏بعد كل ذلك من بيت أهلي، وتركت ‏بيتي، وأنا أسكن في شقة عندهم، ‏وذهبت لبيت أصهاري وسافرنا ‏في اليوم التالي، وعدنا إلى غربتنا، ‏وفي يوم سفرنا وبعده، ولمدة شهر ‏تقريبا وصلتنا أنا وزوجتي رسائل ‏شتم، وسب، واحتقار، وطعن في ‏النسب، والشرف، والرجولة كما ‏يقولون، وقذفوا زوجتي بالزنا، ‏فساءنا الأمر كثيرا، وفكرنا في اللجوء ‏إلى السلطات المختصة في بلد إقامتنا، ‏لكن أهل الخير منعونا من ذلك، ‏وقالوا: هم أهلكم، وإخوانكم؛ والعقاب سوف يكون شديدا، ومع ذلك ‏لم تتوقف الرسائل حتى قمت ‏بالاتصال بزوج أخت لي، تقطن في ‏بلد غير بلدي، والموجود فيه إخوتي؛ ‏وطلبت منه الاتصال بهم، وطلب ‏وقف الرسائل، وإلا فسوف أخبر ‏السلطات، وبذلك توقفت الرسائل، ولم ‏تحل المشكلة، ولا اتصال بيننا إلى ‏الآن، فقد حاولوا الاتصال بي عدة ‏مرات وراسلوني، لكن بطريقة فيها ‏منة، وكأنني من تسبب بقطيعة الرحم، ‏ويشهد الله أني كنت نعم الأخ والعون ‏لهم في كل شيء، ولم أقصر معهم ‏أبدا، وما زالت لي عليهم ديون كثيرة ‏لم يقوموا بسدادها، ومع ذلك لم ‏أطالبهم بها.‏
عموما أنا أود صلتهم ‏مرة أخرى لوجه الله تعالى، لكن ‏كلما تذكرت ما حصل منهم أتردد، ‏وأنا أود منكم -بارك الله فيكم- التوجيه ‏والإرشاد، ولو وصلت البعض منهم ‏حاليا، وقطعت من كان سببا في ذلك ‏لوقت لاحق، فما الحكم؟ وما ‏حكم عدم صلة أبناء، وبنات إخواني ‏وأخواتي؟ وهل أنا آثم، مع العلم أن معظمهم لم ‏يكن على اتصال بي من قبل، مع ‏أني على تواصل معهم، عذرا على الإطالة، وشكرا.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

ففي الجملة: لا يجوز نقل الكلام بين الناس على وجه يؤدي إلى الإفساد بينهم، فهذه هي النميمة التي جاء الشرع بتحريمها، وورد الوعيد الشديد في حق فاعلها؛ وللمزيد راجع الفتوى رقم: 6710.

وإذا رجي أن تتحقق بذلك مصلحة شرعية، فلا حرج في نقل الكلام للغرض الصحيح، كما بين ذلك أهل العلم، وقد أوضحنا كلامهم في هذا، في الفتوى رقم: 133679.

 ومحور هذه المشكلة هو ما ذكر من تصرفات سيئة صدرت من بنت أخيك الأكبر، فإن كانت هنالك ريبة فعلا في تصرفاتها، فكان ينبغي تحري الحكمة في معالجة الأمر، وإخبار من يمكنه إصلاحها من غير أن تتلقى الألسن الموضوع، ويحصل الخوض فيه بالحق والباطل، وهو ما ترتبت عليه مفاسد عظيمة بوقوع القطيعة بين الأهل والأحبة، وهذا ما يحبه الشيطان، ويسعى من أجله؛ قال تعالى: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا {الإسراء:53}، وروى مسلم في صحيحه عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة؛ يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته - قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت. قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه. فيحتفي به إبليس لما قام به من أمر التفريق بين الأحبة.

والتهاجر محرم إلا إذا كان له ما يسوغه شرعا، كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 25074.

ويعظم النكير، ويتأكد التحريم بوقوع التهاجر بين ذوي القرابة والرحم؛ لما في ذلك من قطيعة الرحم، وقد أوضحنا نصوص الوعيد في حق قاطع الرحم في الفتوى رقم: 13912.

فننصح الجميع بتقوى الله تبارك وتعالى، والسعي في الإصلاح، ففي ذلك خير عظيم، وأفضل المتهاجرين من يبدأ بالسلام؛ وراجع في فضل الإصلاح الفتوى رقم: 106360.

 ومما نرشد إليه هنا انتداب العقلاء، والفضلاء من الأقارب، والمعارف، والأصدقاء ليعملوا على رأب الصدع.

 ومن جهتك أنت، جاهد نفسك في صلة أهلك وإن قطعوك، والإحسان إليهم وإن أساؤوا إليك، فتنال الفضل عليهم، ويعظم قدرك عند رب العالمين؛ قال تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم {فصلت34 : 35}.

 قال ابن كثيرأي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك؛ حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك، ثم قال: {وما يلقاها إلا الذين صبروا} أي: وما يقبل هذه الوصية، ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس، {وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} أي: ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والأخرى, قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم .. اهـ.

وروى مسلم عن أبى هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم، ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم، ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.

وننبه في الختام إلى أمرين:

الأول: أن الأصل في المسلم السلامة، فلا يجوز اتهامه زورا وبهتانا؛ قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم {الحجرات:12}.

الثاني: أن الاتهام بالزنا قذف، وهو من أكبر الكبائر، ورد فيه الذم، والوعيد الشديد في الدنيا والآخرة، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 17640، والفتوى رقم: 93577.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة