تفسير: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا ‏مِصْبَاحٌ ...

0 191

السؤال

هل النور في قوله تعالى: مثله نوره ‏كمشكاة. هو صفة لله عز وجل؟ ‏وكيف نجمع بين ذلك، وبين قوله ‏تعالى: ليس كمثله شيء؟ ففي الآية ‏الأولى جعل لنوره مثلا وهو ‏المشكاة، وفي الثانية ذكر أنه ليس ‏كمثله شيء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد ‏أولا أن نصحح لك الآية الكريمة، ‏وهي قوله تعالى: الله نور السماوات ‏والأرض مثل نوره كمشكاة فيها ‏مصباح .... {النور:35}. ‏
ثم اعلم أن من صفات الله سبحانه ‏وتعالى أنه نور، وهي صفة ذات، ‏لازمة له تعالى، على ما يليق به، ‏وبهذا الوصف وصفه النبي صلى الله ‏عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي ‏ذر قال: سألت رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: نور، ‏أنى أراه. وفي صحيح مسلم: حجابه ‏النور، لو كشفه لأحرقت سبحات ‏وجهه ما انتهى إليه بصره من ‏خلقه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ‏شفاء العليل:‏ ولما كان النور من أسمائه الحسنى، ‏وصفاته، كان دينه نورا، ورسوله ‏نورا، وداره نورا يتلألأ، والنور ‏يتوقد في قلوب عباده المؤمنين، ‏ويجري على ألسنتهم، ويظهر على ‏وجوههم. انتهى.
وقال شيخ الإسلام- رحمه الله- في ‏مجموع الفتاوى: وإن مما قضى الله ‏علينا في كتابه، ووصف به نفسه، ‏ووردت السنة بصحة ذلك أنه قال: ‏الله نور السماوات والأرض [سورة ‏النــور: 35]. ثم قال عقيب ذلك: ‏نور على نور. وبذلك دعاه النبي ‏صلى الله عليه وسلم: أنت نور ‏السماوات، والأرض. انتهى.
‏ وأما عن قوله تعالى: مثل نوره كمشكاة {النور:35}. فقد ضرب الله تعالى فيها ‏مثلا لنوره في قلب عبده المؤمن، ‏فشبهه بالمشكاة المذكور وصفها في ‏الآية.

 قال السعدي ـ رحمه الله ـ في ‏تفسيره:‏ مثل نوره الذي يهدي إليه، وهو نور ‏الإيمان، والقرآن في قلوب المؤمنين، ‏ـ كمشكاة ـ أي: كوة ـ فيها مصباح ـ ‏لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث ‏لا يتفرق ذلك المصباح. في زجاجة، ‏الزجاجة ـ من صفائها وبهائها: ‏كأنها كوكب دري ـ أي: مضيء، ‏إضاءة الدر-يوقد ـ ذلك المصباح، ‏الذي في تلك الزجاجة الدرية: من ‏شجرة مباركة زيتونة ـ أي: يوقد من ‏زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما ‏يكون: لا شرقية ـ فقط، فلا تصيبها ‏الشمس آخر النهار: ولا غربية ـ ‏فقط، فلا تصيبها الشمس أول ‏النهار، وإذا انتفى عنها الأمران، ‏كانت متوسطة من الأرض، كزيتون ‏الشام، تصيبها الشمس أول النهار ‏وآخره، فتحسن وتطيب، ويكون ‏أصفى لزيتها؛ ولهذا قال: يكاد زيتها ‏ـ من صفائه: يضيء ولو لم تمسسه ‏نار ـ فإذا مسته النار، أضاء إضاءة ‏بليغة: نور على نور ـ أي: نور ‏النار، ونور الزيت، ووجه هذا المثل ‏الذي ضربه الله، وتطبيقه على حالة ‏المؤمن، ونور الله في قلبه، أن ‏فطرته التي فطر عليها بمنزلة ‏الزيت الصافي، ففطرته صافية، ‏مستعدة للتعاليم الإلهية، والعمل ‏المشروع، فإذا وصل إليه العلم ‏والإيمان، اشتعل ذلك النور في قلبه، ‏بمنزلة اشتعال النار في فتيلة ذلك ‏المصباح، وهو صافي القلب من ‏سوء القصد، وسوء الفهم عن الله، ‏إذا وصل إليه الإيمان، أضاء إضاءة ‏عظيمة، لصفائه من الكدورات، وذلك ‏بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية، ‏فيجتمع له نور الفطرة، ونور ‏الإيمان، ونور العلم، وصفاء ‏المعرفة، نور على نور، ولما كان ‏هذا من نور الله تعالى، وليس كل ‏أحد يصلح له ذلك، قال: يهدي الله ‏لنوره من يشاء ـ ممن يعلم زكاءه، ‏وطهارته، وأنه يزكو معه وينمو: ‏ويضرب الله الأمثال للناس ـ ليعقلوا ‏عنه ويفهموا، لطفا منه بهم، ‏وإحسانا إليهم، وليتضح الحق من ‏الباطل، فإن الأمثال تقرب المعاني ‏المعقولة من المحسوسة، فيعلمها ‏العباد علما واضحا: والله بكل شيء ‏عليم. انتهى.
‏ ‏والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات