السؤال
أود أن أسأل عن حكم البكاء في الصلاة، وفي الدعاء أمام الناس؛ ففي مسجدنا شيخ يبكي بشدة في الصلاة، وبعض المأمومين كذلك حتى وصل الأمر ببعضهم إلى درجة الصراخ، فهل هذه الأفعال لها وجه في الشرع؟ وكيف يمكنني أن أبكي من خشية الله؛ فإني أشعر بضعف الإيمان عندما أرى هؤلاء؟ أفيدونا -جزاكم الله خيرا-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالبكاء من خشية الله، أو شوقا إلى لقائه، مشروع، بل هو من صفات عباد الله الصالحين، وأوليائه المقربين لا سيما عند سماع القرآن وقد قال الله تعالى: إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا {مريم: 58}.
والبكاء في المسجد جائز، لا حرج فيه، وقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- إذا أم الناس لا يكاد يسمع الناس قراءته من البكاء، كما في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: مروا أبا بكر يصلي بالناس، قالت عائشة: قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء ... إلخ.
وقال عبد الله بن شداد: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ:{إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}. رواه البخاري تعليقا. والنشيج من نشج الباكي، ينشج، نشجا: إذا غص بالبكاء في حلقه، أو تردد في صدره ولم ينتحب.
وقال أبو عبيد: النشيج هو مثل بكاء الصبي إذا ردد صوته في صدره، ولم يخرجه.
وقد وردت فيه أحاديث كثيرة، وآثار السلف بينا جملة منها في الفتوى رقم: 150289، وبينا أيضا في الفتوى رقم: 102754 أن البكاء الذي يغلب عليه صاحبه لا يوصف بالجواز أو عدمه؛ لأن ما لا يستطاع تركه ليس مناطا للتكليف، وأن البكاء المختلق ربما دخله الرياء، وبطلت به الصلاة.
والصراخ بالبكاء لا نعلمه من هدي السلف الصالح لهذه الأمة، ولا شك أن فيه تشويشا على المصلين، وقد مر معنا صفة بكاء عمر -رضي الله عنه- وأنه لم يكن يخرجه فضلا عن أن يصيح به.
وقد قال الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله تعالى- عن رفع الصوت بالبكاء في المسجد: فإذا تقصد الإنسان هذا البكاء العالي الذي يكاد يكون صراخا، أو نياحة فإنه يذم على هذا.
أما إذا كان ذلك بغير اختياره، ولا يمكنه دفعه، فإنه لا ذم عليه في هذه الحالة، ولكن يجب على الإنسان أن يتجنب كل ما فيه أذية للمصلين، أو تشويش عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قومه ذات يوم وهم يصلون، ويجهرون بالقراءة فقال عليه الصلاة والسلام: (كلكم يناجي ربه، فلا يجهرن بعضكم على بعض في القراءة) وفي حديث آخر: (لا يؤذين بعضكم بعضا)، فعلى الإنسان أن يخفض من صوته إذا كان معه جماعة؛ لئلا يشوش عليهم. اهــ.
وفي خصوص ما تشعر به من قلة البكاء، فاعلم أن العين قلما تبكي ما دام القلب معتلا، ولم يبك من خشية الله من بكى من الصالحين إلا بسبب صلاح قلوبهم، فالقلب ملك الجوارح، إذا صلح، صلحت سائر الجوارح، ومنها العين؛ فينبغي لنا أن نعتني بقلوبنا، ونسعى لتطهيرها من دنس المعاصي، والشهوات، والشبهات، وعندها ستعمرها خشية الله، وتعظيمه، والخوف من عقابه، ورجاء ثوابه، وحينها سيجري دمع العين من غير تكلف، ولا تصنع -نسأل الله بكل ما يحب أن يسأل به، أن يصلح قلوبنا، ويطهرها-.
والله أعلم.