السؤال
ما حكم من أخذ برأي ابن تيمية ومن وافقه في عدم وقوع طلاق الحائض، واطمأن قلبه للفتوى دون الرجوع للمحكمة، لأن القاضي يحكم بوقوع طلاق الحائض، وأخذ الفتوى من باب التيسير لا من باب الرخص؟.
ما حكم من أخذ برأي ابن تيمية ومن وافقه في عدم وقوع طلاق الحائض، واطمأن قلبه للفتوى دون الرجوع للمحكمة، لأن القاضي يحكم بوقوع طلاق الحائض، وأخذ الفتوى من باب التيسير لا من باب الرخص؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسائل المختلف فيها بين أهل العلم، يعمل المسلم فيها بما يغلب على ظنه أنه الحق، إما بالنظر في الأدلة والعمل بأرجحها إن كان يقدر على ذلك، وإما بتقليد الأوثق في نفسه إن كان غير مؤهل للنظر في الأدلة، قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه: فإن قال قائل فكيف في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا، فهل له التقليد؟ قيل: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عقل أن يعقل، وإذا فهم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان له عقل يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده. انتهى.
وإذا تساوت عنده الأقوال ولم يترجح منها قول، فبعض أهل العلم يرى أن يأخذ بأيسرها، لكن إذا لم يكن مطمئنا لصحة القول فلا يسعه العمل به لمجرد أنه قول عالم مجتهد، أو لكونه أيسر الأقوال، قال ابن القيم رحمه الله: لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله، وتردد فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك ـ فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولا، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار ـ والمفتي والقاضي في هذا سواء، ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن، سواء تردد أوحاك في صدره، لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه جهل المفتي أو محاباته في فتواه، أو عدم تقييده بالكتاب والسنة أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها، فإن كان عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتي يسأل ثانيا وثالثا حتى تحصل له الطمأنينة، فإن لم يجد فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة. اهـ
والله أعلم.