الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن لفظة (سبحان) علم على التسبيح، ومعنى سبحان الله: تنزيه الله، وبراءته من كل نقص.
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: التسبيح: الكلام الذي يدل على تنزيه الله تعالى عن كل النقائص ... اهـ.
وقال الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر في كتابه فقه الأدعية، والأذكار: هو التنزيه، فأصل هذه الكلمة من السبح وهو البعد.
قال الأزهري في تهذيب اللغة: ومعنى تنزيه الله من السوء تبعيده منه، وكذلك تسبيحه تبعيده، من قولك: سبحت في الأرض إذا أبعدت فيها، ومنه قوله جل وعز: وكل في فلك يسبحون. وكذلك قوله: والسابحات سبحا. فالتسبيح هو إبعاد صفات النقص من أن تضاف إلى الله، وتنزيه الرب سبحانه عن السوء وعما لا يليق به.
قال ابن جرير: وأصل التسبيح لله عند العرب: التنزيه له من إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرئة له من ذلك.
ونقل الأزهري في كتابه تهذيب اللغة عن غير واحد من أئمة اللغة تفسير التسبيح بالمعنى السابق. وقال: وجماع معناه بعده تبارك وتعالى عن أن يكون له مثل، أو شريك، أو ضد، أو ند. اهـ.
وهذا التنزيه يتضمن وصف الله بالكمال، كما أن الحمد يتضمن التنزيه. وقد كثر ورود التسبيح والحمد مقترنين في الكتاب والسنة، وقد ينفرد أحدهما عن الآخر أحيانا.
ومما ورد من ذكرهما معا قول الله سبحانه: سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين {الصافات 182:180}. وقوله: وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده {الفرقان:58}.
ومما ورد من انفراد التسبيح قوله تعالى: ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون {المؤمنون:91}. وقوله تعالى: سبح اسم ربك الأعلى {الأعلى:1}.
هذا، وننبه على أن الله تعالى يوصف بالإثبات, وهو إثبات محامده بالثناء عليه وتمجيده, ويوصف بالنفي, وهو نفي العيوب والنقائص عنه سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا. كذا قال شيخ الإسلام في الفتاوى.
وقد بين- رحمه الله تعالى- المنهاج الصحيح في التعامل مع الصفات، فذكر أن منهج الأنبياء فيه هو التفصيل في الإثبات، والإجمال في النفي. وهذا عكس ما شاع عند البعض من التفصيل في الصفات السلبية، والإجمال في الصفات الثبوتية.
قال- رحمه الله- في الفتاوى: وقوله: {سبحانك} يتضمن تعظيمه، وتنزيهه عن الظلم وغيره من النقائص; فإن التسبيح وإن كان يقال: يتضمن نفي النقائص, وقد روي في حديث مرسل من مراسيل موسى بن طلحة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول العبد: سبحان الله: إنها براءة الله من السوء. فالنفي لا يكون مدحا إلا إذا تضمن ثبوتا، وإلا فالنفي المحض لا مدح فيه, ونفي السوء والنقص عنه يستلزم إثبات محاسنه وكماله, ولله الأسماء الحسنى. وهكذا عامة ما يأتي به القرآن في نفي السوء والنقص عنه، يتضمن إثبات محاسنه وكماله. كقوله تعالى: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم }. فنفي أخذ السنة والنوم له، يتضمن كمال حياته، وقيوميته. وقوله: { وما مسنا من لغوب} يتضمن كمال قدرته, ونحو ذلك. فالتسبيح المتضمن تنزيهه عن السوء, ونفي النقص عنه يتضمن تعظيمه. ففي قوله: { سبحانك } تبرئته من الظلم, وإثبات العظمة الموجبة له براءته من الظلم؛ فإن الظالم إنما يظلم لحاجته إلى الظلم أو لجهله, والله غني عن كل شيء, عليم بكل شيء, وهو غني بنفسه, وكل ما سواه فقير إليه, وهذا كمال العظمة.
وأيضا ففي هذا الدعاء التهليل، والتسبيح فقوله: { لا إله إلا أنت } تهليل. وقوله: { سبحانك } تسبيح. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { أفضل الكلام بعد القرآن أربع, وهن من القرآن: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر }. والتحميد مقرون بالتسبيح وتابع له, والتكبير مقرون بالتهليل وتابع له, وفي الصحيح: { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته: سبحان الله وبحمده}. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { كلمتان خفيفتان على اللسان, ثقيلتان في الميزان, حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده, سبحان الله العظيم }. وفي القرآن:{ فسبح بحمد ربك} وقالت الملائكة: { ونحن نسبح بحمدك}. وهاتان الكلمتان إحداهما مقرونة بالتحميد, والأخرى بالتعظيم, فإنا قد ذكرنا أن التسبيح فيه نفي السوء والنقائص، المتضمن إثبات المحاسن والكمال, والحمد إنما يكون على المحاسن. اهـ.
والله أعلم.