السؤال
إذا صمت شعبان كاملا السنة الماضية، فهل الأولى شرعا ـ فيما ترون ـ أن أصومه كاملا هذا العام، خصوصا أنني اعتدت -بفضل الله تعالى- الإكثار من الصيام في الشهور العادية، فلو أردت صيام شعبان على نفس نمط باقي الشهور الأخرى ـ صيام داود، والاثنين والخميس، والأيام البيض الذي اعتدت عليه ـ فإني سأصوم ثلثيه تقريبا، وفي هذه الحال ـ وإن كنت أكثرت من الصيام في شعبان بصيام ثلثيه ـ لكنني -لا زلت- لم أزد على باقي الشهور؟ وماذا عن شهر الله تعالى المحرم، وهل أصومه كاملا في كل عام؛ إذ إنه لا يختلف عن شعبان إلا في صيام عاشوراء، ويوم قبله، أقصد ما الأكمل والأفضل شرعا؟ وهل أفعل ذلك كل عام، ولا بأس في ذلك ـ أقصد في صيام شعبان، ومحرم كاملين؟ وإذا كان الأفضل ألا أصوم الشهر كاملا، فهل يكفي إفطار يوم أو يومين فيهما لتحقيق الأكمل -جزاكم الله تعالى خيرا-؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعينك على صومك، وأن يتقبله منك، وقد بينا جواز صوم شعبان أو أكثره في الفتوى رقم: 54501، وأنه لم يرد تحديد القليل الذي يفطر.
وعليه، فيرد ذلك إلى العرف، فيوم، ويومان، وثلاثة، بل وأكثر قليل بالنسبة لباقي الشهر، ولا يلزم من صومك شعبان كاملا العام الماضي أن تصومه كاملا هذا العام، ولا هو أولى، بل الأولى موافقة السنة، بإفطار القليل من شعبان في بعض السنوات على الأقل، ويمكنك أن تزيد في صوم شعبان عن سائر الشهور، لكن مع إفطار قليل من الأيام، ولا حرج في صوم المحرم كاملا، كما بينا في الفتوى رقم: 192845.
وقد صامه طائفة من السلف، قال ابن رجب في اللطائف: وممن صام الأشهر الحرم كلها: ابن عمر، والحسن البصري، وغيرهما، قال بعضهم: إنما هو غداء وعشاء، فإن أخرت غداءك إلى عشائك أمسيت، وقد كتبت في ديوان الصائمين.
ومع هذا، فلم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إتمام شهر غير رمضان، فالأولى عدم إتمامه؛ ولذلك بوب عبد الرزاق باب: باب صيام أشهر الحرم، ونقل عن ابن طاوس، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تتخذوا شهرا عيدا، ولا تتخذوا يوما عيدا، وعن عطاء قال: كان ابن عباس ينهى عن صيام رجب كله؛ لئلا يتخذ عيدا. عن عطاء قال: كان ابن عباس ينهى عن صيام الشهر كاملا، ويقول: ليصمه إلا أياما، وكان ينهى عن إفراد اليوم كلما مر به وعن صيام الأيام المعلومة، وكان يقول: لا يصم صياما معلوما. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل شهرا قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر قط أكثر صياما منه في شعبان. والحديث متفق عليه.
قال العثيمين في شرح الكافي: وما أحسن عبارة المؤلف ـ رحمه الله ـ حيث قال: يستحب الصيام في المحرم، أي في الشهر المحرم الذي هو أول شهور السنة الهجرية؛ لأنه لا يسن صيامه كاملا خلافا لبعض العلماء الذين قالوا إنه يسن صيامه كاملا؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا قط غير رمضان.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 11549.
والله أعلم.