السؤال
ما الذي جعل أبا بكر ينال هذه المرتبة في الأمة، أقصد ما الذي تفضل الله به عليه حتى نجتهد في تطبيقه؟ وبالتأكيد إنها منزلة الصديقية، ومرتبة التصديق، لكن السؤال هو: ما الذي جعل أبا بكر يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم بمجرد إخباره، ولم يكن كثير قرآن قد نزل، والذي هو آية نبينا صلى الله عليه وسلم؟ هل هي الفطرة، واستعداده للتوحيد، أم صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة شمائله؟ الرجاء التفصيل في هذا -بارك الله فيكم-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 128364 سبب تسميته بالصديق، وأن من ذلك تصديقه في الإسراء، والمعراج، وهذا من أولى ما يقتدى به فيه، المبادرة إلى التصديق بخبر الله، ورسوله، ولا شك أن من أعظم ما أعانه على ذلك ما كان في قلبه من إيمان.
قال ابن رجب في اللطائف: قال بكر المزني: ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام، ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في صدره.
قال بعض العلماء المتقدمين: الذي وقر في صدره هو حب الله، والنصيحة لخلقه.
وسئلت فاطمة بنت عبد الملك، زوجة عمر بن عبد العزيز بعد وفاته عن عمله؟ فقالت: والله ما كان بأكثر الناس صلاة، ولا بأكثرهم صياما، ولكن -والله- ما رأيت أحدا أخوف لله من عمر. لقد كان يذكر الله في فراشه فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف حتى نقول: ليصبحن الناس ولا خليفة لهم.
قال بعض السلف: ما بلغ من بلغ عندنا بكثرة صلاة، ولا صيام، ولكن بسخاوة النفوس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة، وزاد بعضهم: واحتقار أنفسهم.
وذكر لبعضهم شدة اجتهاد بني إسرائيل في العبادة، فقال: إنما يريد الله منكم صدق النية فيما عنده؛ فمن كان بالله أعرف فله أخوف، وفيما عنده أرغب، فهو أفضل ممن دون في ذلك وإن كثر صومه، وصلاته.
وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: يا حبذا نوم الأكياس، وفطرهم، كيف يسبق سهر الجاهلين، وصيامهم.
ولهذا المعنى كان فضل العلم النافع الدال على معرفة الله، وخشيته، ومحبته، ومحبة ما يحبه، وكراهة ما يكرهه. اهـ.
والله أعلم.