السؤال
جاء في آخر حديث الجساسة قوله صلى الله عليه وسلم عن مكان خروج الدجال: ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا، بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق ـ تكلم فيه أحد المبتدعة الذين يردون هذا الحديث مرة غفر الله له فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مؤيد بالوحي، ولا ينطق عن الهوى، فلا يمكن أن يقول مرة إنه من الشام ومرة في اليمن، ثم يقول من المشرق، ثم ينفي ثم يعود فيقول إنه من المشرق! فلا يمكن أن يكون هذا الكلام صدر من في النبي صلى الله عليه وسلم ـ فكيف يكون الرد على مثل هذا القول؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور في صحيح مسلم، وليس في الحديث إشكال، وقد أجاب العلماء عن هذه الدعوى، قال القاري في المرقاة: قال التوربشتي رحمه الله: لما وافق هذا القول ما كان حدثهم به أعجبه ذلك وسر به، فقال: ألا ـ أي: تنبهوا هل كنت حدثتكم؟ أي: بمثل هذا الحديث ومطابق لهذا الخبر، فقال الناس: نعم، ألا: للتنبيه، إنه أي: الدجال في بحر الشام أو بحر اليمن ـ قيل: لما حدثهم بقول تميم الداري، لم ير أن يبين لهم موطنه ومجلسه كل التبيين، لما رأى في الالتباس من المصلحة فرد الأمر فيه إلى التردد بين كونه في بحر الشام أو بحر اليمن، ولم تكن العرب يومئذ تسافر إلا في هذين البحرين، ويحتمل أنه أراد ببحر الشام ما يلي الجانب الشامي، وببحر اليمن ما يلي الجانب اليماني، والبحر واحد، وهو الممتد على أحد جوانب جزيرة العرب، ثم أضرب عن القولين مع حصول اليقين في أحدهما، فقال: لا بل من قبل المشرق ما هو أي: هو، وما: زائدة أو موصولة، بمعنى الذي، أي الجانب الذي هو فيه، قال القاضي رحمه الله: لفظة: ما ـ هنا زائدة للكلام وليست بنافية، والمراد إثبات أنه في جهة المشرق، قال التوربشتي رحمه الله: ويحتمل أن يكون خبرا أي الذي هو فيه، أو الذي هو يخرج منه، وأومأ: بهمزتين أي أشار بيده إلى المشرق، قال الأشرف: يمكن أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان شاكا في موضعه وكان في ظنه أنه لا يخلو عن هذه المواضع الثلاثة، فلما ذكر بحر الشام وبحر اليمن تيقن له من جهة الوحي، أو غلب على ظنه أنه من قبل المشرق، فنفى الأولين وأضرب عنهما، وحقق الثالث. انتهى.
وجاء في عون المعبود: قال القرطبي في التذكرة: هو شك أو ظن منه صلى الله عليه وسلم، أو قصد الإبهام على السامع ثم نفى ذلك وأضرب عنه بالتحقيق، فقال: لا، بل من قبل المشرق ـ ثم أكد ذلك بما الزائدة والتكرار اللفظي، فما زائدة لا نافية، فاعلم ذلك. انتهى.
وقال النووي في شرح مسلم: قال القاضي: لفظة: ما هو ـ زائدة صلة للكلام ليست بنافية، والمراد إثبات أنه في جهات المشرق. انتهى.
وفي فتح الودود: قيل هذا شك أو ظن منه عليه السلام أو قصد الإبهام على السامع، ثم نفى ذلك وأضرب عنه فقال: لا بل من قبل المشرق، ثم أكد ذلك بقوله: ما هو ـ وما زائدة لا نافية، والمراد إثبات أنه في جهة المشرق، قيل: يجوز أن تكون موصولة أي الذي هو فيه المشرق، قلت: ويحتمل أنها نافية أي ما هو إلا فيه، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى.
وقال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود: وقوله: وإنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا ـ هذا إضراب فكأنه قبل كان مترددا هل هو هنا أو هنا، ولكنه بعد ذلك أخبر بأنه في جهة الشرق، قوله: لا، بل من قبل المشرق ما هو مرتين ـ حرف: ما ـ هنا جاء صلة، وهو من جنس: حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم ـ ومن جنس: لئلا يعلم أهل الكتاب {الحديد:29} حرف لا، لئلا يعلم أهل الكتاب { الحديد:29} ومن جنس: قال ما منعك ألا تسجد {الأعراف:12} أي: أن تسجد، فحرف ما، وحرف لا، قد يأتيان صلة في الكلام. انتهى.
فعلى أقصى احتمال يكون النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد، وبين له خطؤه بالوحي، فصوب ما قال، فالاجتهاد منه جائز، ولكن إن أخطأ لم يقر عليه، كما بينا بالفتوى رقم: 3217.
وإلا، فالاحتمال الأول أقوى، وهو أن قوله: لا ـ صلة، لا أنها نافية أقوى.
والله أعلم.