مما يعين على الرضا بالقدر أن يعلم العبد أن الدنيا دار ابتلاء واختبار

0 194

السؤال

قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا ‏أحب قوما ابتلاهم: فمن رضي، فله ‏الرضا، ومن سخط، فعليه السخط)‏ لا أعلم على ماذا أرضى؟ هل ‏أرضى بأني اغتصبت عدة مرات، ‏وأنا في عمر 6 سنوات، من أقرب ‏الناس لي: أخي، حتى استسهلتها، ‏ وصارت لي عادة، وقمت بعملها مع ‏أكثر من شخص؟ هل أرضى أنها سببت لي ضعفا في ‏الشخصية، وأدمنت الكبتاجون حتى ‏سرقت لأجل أن أوفر قيمته؟ هل أرضى بأنه قد قبضت علي ‏الشرطة، وحكم علي بسبع سنوات ‏سجن؟ ‏هل أرضى بأني خرجت من السجن ‏وأنا لدي اكتئاب شديد، ورهاب ‏اجتماعي حتى أصبحت أذهب إلى ‏غرفتي، ولا أريد أن أكلم أحدا، ولا ‏أستطيع ممارسة حياتي كأي ‏شخص، وأنا الآن لا أستطيع أن أعمل شيئا ‏بسبب رهابي، وقلة التركيز، والنسيان، و‏لا أستطيع أن أكون علاقات، ولا ‏أستطيع العيش بسعادة، ولا أستطيع ‏الزواج، وتأتيني أفكار، وأسأل نفسي: كيف ستتزوج، وتنجب أبناء، وقد فعل ‏فيك ما فعل! أنا الآن عمري 25، وأرى ‏أن كل ما أصابني إلى اليوم بسبب ‏اغتصابي من قبل أخي، وأنا لم أستطع ‏أن أمنعه، أو أفهم ماذا يفعل؟ أرى ‏أني ظلمت، والظالم أخي، لكن أين الله ‏عني في ذلك الوقت؟ ‏كل ما نظرت للمستقبل تذكرت تلك ‏الأفعال الشنيعة، التي تنغص علي حياتي، ‏كيف؟ لا أستطيع أن أتخيل كيف ‏سأكون زوجا، وأبا؟ ‏كيف سأكون إنسانا شريفا، صالحا، ‏مربيا؟ مع كل هذه المصائب لا أعلم هل أنا ‏مبتلى أم معاقب؟ وكيف يبتلى طفل ‏عمره 6 سنوات؟ هل أنا مأجور أم آثم؟ وماذا علي أن ‏أفعل؟‏ كيف أنسى، وأعيش حياتي بشكل ‏طبيعي؟‏ أرجوكم أفتوني.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فالرضا بالقدر من أسباب سعادة الإنسان، وفلاحه في الدنيا والآخرة، والتسخط على القدر من أسباب الخسران، وهو دليل على ضعف العلم بالله وصفاته، فقدر الله كله حكمة ورحمة، فهو سبحانه أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، وأعلم بمصالحنا من أنفسنا، فلا يقضي للعبد إلا ما فيه الخير؛ قال سبحانه وتعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة: 216}.

ولا ينافي الرضا بالقدر أن يراجع الإنسان نفسه لينظر فيما فرط فيه من أسباب، وما أخطأ فيه من أفعال، فيصحح ما أخطأ فيه، ويجتهد فيما يقدر عليه من الأسباب.

ومما يعين على الرضا بالقدر، والصبر على المصائب، أن ينتبه العبد إلى أن الدنيا ليست نهاية المطاف، وإنما هي دار ابتلاء واختبار، والجزاء في الآخرة دار النعيم الأبدي، فلا يظلم الله العبد مثقال ذرة، بل يعطي الجزاء العظيم على البلاء؛ حتى يتمنى الناس يوم القيامة أنهم كانوا من أهل البلاء حين يرون جزاءهم؛ ففي سنن الترمذي عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يود أهل العافية يوم القيامة، حين يعطى أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض.

وحين يلقى العبد ثواب صبره على البلاء في الآخرة، ينسى كل ما لاقاه في الدنيا من المصائب؛ ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا، والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا، من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا، والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط.

فأقبل على الله، وارجع إليه، واطرح نفسك بين يديه، واستعن به، وتوكل عليه، ولا تستسلم لوساوس الشيطان، وتخذيله لك بالوقوف عند آلام الماضي، وول وجهك شطر مستقبل مشرق بطاعة الله عز وجل، ومحفوف بعنايته ورعايته، ولا بأس أن تعرض نفسك على طبيب نفسي، مسلم، وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات النفسية بموقعنا. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة