تفسير الآية: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم .... الآية

0 237

السؤال

يقول تعالى: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون {الأنفال:23} قرأت تفسيرها فلم أفهمه، فهل معنى ذلك أن الكافر ليس فيه خير ـ أقصد الخير الذي يقدمه للآخرين كخدمة ومساعدة دون مقابل ـ إطلاقا؟ فمثلا: هناك من الكفار من يقوم بأعمال خير ينفع بها الناس، ومن المسلمين مع الأسف من لا يرجى خيره ـ والمسلم أفضل على كل حال بلا شك ـ فهل مسألة الهداية والتوفيق تتعلق بمدى حب الإنسان الخير للآخرين وفعل الخير؟ أم أنها مسألة عقيدة بحتة وإيمان بالله تعالى واستسلام له بالعبودية؟ وماذا يقصد بالخير في الآية السابقة؟ وهل الخير يندرج تحت العقيدة أم الأخلاق؟ وهل هذه الآية دليل على أن من يتفضل عليه الله تعالى بكرمه ويهديه للإسلام أو يوفقه للطاعات بمحض فضله هو لعلم الله تعالى بأن هذا المرء فيه خير فجازاه بكرمه ورحمته، وبالتالي فكلما كان المؤمن أكثر خيرا وجدناه أكمل إيمانا، وعليه فعلى المسلم أن يدرب نفسه على الخير لينال هداية الله تعالى ثم رضوانه ورحمته وكرامته؟.
وجزاكم الله تعالى خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس معنى الآية أن الكفار ليس عندهم خير مطلقا، فبعض الكفار قد يعمل شيئا من أعمال الخير والإحسان، وسيجازون بها في الدنيا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته. رواه مسلم عن أنس.

ولكن المراد بالآية قوم من أشرار الكفار علم الله أنه لا خير فيهم, ولا قابلية فيهم للهداية، فقد جاء في أيسر التفاسير للجزائري: وقوله تعالى: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ـ أي لجعلهم يسمعون آيات الله وما تحمله من بشارة ونذارة وهذا من باب الفرض، لقوله تعالى: ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ـ هؤلاء طائفة من المشركين، توغلوا في الشر والفساد والظلم والكبر والعناد، فحرموا لذلك هداية الله تعالى، فقد هلك بعضهم في بدر، وبعض في أحد، ولم يؤمنوا لعلم الله تعالى أنه لا خير فيهم، وكيف لا! وهو خالقهم وخالق طباعهم: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. اهـ.

وأما مسألة الهداية: فهي فضل من الله تعالى، ولها أسباب عدة وأمارات، ومنها نفع الخلق والإحسان والإنفاق عليهم، كما قال تعالى: ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون {البقرة:2ـ 3}.

وقال تعالى: هدى ورحمة للمحسنين {لقمان:3}.

ولا يحرم الله الهداية إلا من علم أنه لا خير فيه، فقد جاء في تفسير السعديولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم ـ على الفرض والتقدير: لتولوا ـ عن الطاعة: وهم معرضون ـ لا التفات لهم إلى الحق بوجه من الوجوه، وهذا دليل على أن الله تعالى لا يمنع الإيمان والخير، إلا لمن لا خير فيه، الذي لا يزكو لديه ولا يثمر عنده.. وله الحمد تعالى والحكمة في هذا. اهـ.

 وراجع الفتاوى التالية أراقمها: 8976، 10766, 10800.

وأما المقصود بالخير في الآية: فهو قابلية الخير والهدي كما قدمنا في كلام المفسرين سابقا، وبهذا يعلم أنه لا يراد به أفراد أعمال الخير هنا، ولكن فعل الخير في الأصل يدخل فيه أمور الاعتقاد وكذلك حسن الخلق والإحسان إلى الخلق. 

وأما السؤال الرابع: فيمكن أن يستفاد من مفهوم المخالفة، فهداية الله تعالى التي هي التوفيق للإيمان والعمل الصالح، لا ينالها كل أحد، وإنما تدرك من كان أهلا لها، فإن الله تعالى حكيم عليم، يضع الأمور في نصابها، وينزل في كل منزلة أهلها، وقد نص القرآن في مواضع على أن الله تعالى أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه، ومن لا تليق به فيغويه، قال تعالى: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين {القصص: 56}.

قال ابن كثير: أي: هو أعلم بمن يستحق الهداية وبمن يستحق الغواية. اهـ.

وقال السعدي: هو أعلم بمن يصلح للهداية، فيهديه، ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله. اهـ.

وقد نص القرآن أيضا في مواضع كثيرة على صفات من يحرمون هذه الهداية، كما في قوله تعالى: والله لا يهدي القوم الظالمين {البقرة: 258}.

وقوله: والله لا يهدي القوم الكافرين {البقرة: 264}.

وقوله: والله لا يهدي القوم الفاسقين {المائدة: 108}.

وقوله: إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار {الزمر: 3}.

وقوله: إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب {غافر: 28}.

وقوله: كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين {آل عمران: 86}.

وقوله: إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا {النساء: 137}.

وفي المقابل نص القرآن على صفات من يستحقون الهداية، بفضل الله تعالى عليهم ورحمته بهم، كما في قوله تعالى: يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم {المائدة: 16}.

وقوله: قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب {الرعد:27، 28}.

وقوله: الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب {الشورى: 13}.

وقوله: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين {العنكبوت:69}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات