السؤال
رقم السؤال: 2489283، أرسلت لكم سؤالا ووصلني جواب مختلف، لم أطرح سؤالا حول حكم الهجرة إلى بلاد غير المسلمين، وإنما سألت عن حكم سرقة أموال بنوك، وأمتعة، وملابس، ومأكولات دول غير مسلمة، وأعيد لكم السؤال: كنت أدرس في بعض الدول الأوروبية، وكان عمري 24 سنة، مكثت هناك ما يزيد عن 8 سنوات، وكنت مبتلى بالسرقة من المحلات التجارية، والسوبر ماركت، وكنت أظن أن السرقة من النصارى مشروعة؛ لأنهم كفار، وعند عودتي إلى بلدي الأصلي حصلت على وظيفة، وتزوجت، وأدركت حينها بعدما بحثت وسألت عن حكم الشرع في سرقة أموال الكفار أنها لا تجوز، فندمت على ذلك، وأردت أن أتوب إلى الله، لكنني أصبحت أتألم، وأعاني مشاكل نفسية كلما تذكرت تلك الأفعال، ولا أهتدي إلى طريق يخلصني من هذه المشاكل، فأنا في حيرة من أمري، ولا أدري كيف سأرد الحقوق إلى أصحابها، فليس عندي مال يكفي لكي أسدد كل مبالغ الملابس، والمأكولات، والأثاث؛ لأن ذلك كثير، والاتصال بالبنك الذي كنت أستغل بطاقات الائتمان التي كانت تمنحني شراء الحاجيات دون سداد الفواتير لاحقا، والبحث عن المحلات التجارية، والسوبر ماركت التي كنت أسرق منها الملابس، والمأكولات، كل هذا سيؤدي بي لا محالة إلى موقف حرج يمكن أن يترتب عليه اعتقال، وأنا معيل لأسرتي، وأسكن في بلدي الأصلي العربي، وأخاف إن ذهبت إلى أوروبا أن يتم القبض علي، فماذا عسى أن أفعل؟ وهل سيقبل الله توبتي دون أن أرد الحقوق إلى أصحابها؟ علما أنهم نصارى أو يهود، وقد يكونوا كفارا، فلا حجة لهم يوم القيامة، أم أنهم سيقفون وسأقف معهم أمام الله للخصام والقصاص، أفيدونا - جزاكم الله عنا خيرا-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرت أنك علمت حرمة ما أقدمت عليه، وجهلك بذلك لا يرفع عنك ضمان ما اعتديت عليه من تلك الأموال بغير حق، لكن لا يلزمك إعلام من اعتديت عليهم، وسرقت أموالهم، أو أخذتها بالغش والاحتيال، بل يكفي إيصالها إليهم ما أمكن ذلك، ولو بطرق غير مباشرة، كأن توكل من يوصلها، أو تضعها في حسابهم لدى البنك، أو ترسلها في حوالة ونحو ذلك من السبل، ولو تعذر ذلك، ولم يعرف أصحاب تلك الأموال، فإنها تصرف في المصالح العامة، وأبواب الخير، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كل مال لا يعرف مالكه من الغصوب، والعواري، والودائع، وما أخذ من الحرامية من أموال الناس، أو ما هو منبوذ من أموال الناس، فإن هذا كله يتصدق به، ويصرف في مصالح المسلمين. اهـ.
وإن كنت لا تجد المال كله الآن، فأد منه ما تستطيع، واعزم على أداء الباقي متى ما تيسر لك ذلك، تخلصا من التبعة، وإبراء للذمة، وإتباعا للسيئة بالحسنة، وراجع الفتوى رقم: 122402.
وهنا ننبه على أن الكافر لو ظلمه مسلم، وبخسه شيئا من حقه، فإن كفره لا يعفي المسلم من المسؤولية، بل تبقى تبعة ذلك في ذمة المسلم؛ حتى يقضي الله تعالى فيها يوم القيامة، قال تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين {الأنبياء:47}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقتص الخلق بعضهم من بعض، حتى الجماء من القرناء، وحتى الذرة من الذرة. رواه أحمد، وصححه الألباني.
وقد ورد ما يدل على حصول الخصومة بين المسلم والكافر يوم القيامة، فذكر الطبري في تفسير قوله تعالى: ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ـ يقول: ثم إن جميعكم المؤمنين والكافرين يوم القيامة عند ربكم تختصمون، فيأخذ للمظلوم منكم من الظالم، ويفصل بين جميعكم بالحق. اهـ.
وقال ابن كثير: هذه الآية وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين، وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة، فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا، فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة، روي أنه لما نزلت: ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ـ قال الزبير -رضي الله عنه-: يا رسول الله! أتكرر علينا الخصومة؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، قال -رضي الله عنه-: إن الأمر إذن لشديد ـ أخرجه ابن أبي حاتم، ورواه الترمذي، والإمام أحمد، وابن ماجه... وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ـ يقول: يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم، والمهتدي الضال، والضعيف المستكبر... اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 129854.
وكيفية استيفاء الكافر لحقه من المسلم يوم القيامة لم نقف عليها، وراجع الفتويين رقم: 68186، ورقم: 27375.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز الراجحي: إذا كانت هناك مظلمة لكافر على مسلم كيف يكون الحساب يوم القيامة؟ فأجاب: يحتمل أنه يقتص له يوم القيامة قبل دخول الجنة. اهـ.
وسئل الشيخ صالح الفوزان: الكافر يقتص له من المسلم، فكيف ذلك، هل يخفف له من العذاب؟ فقال: الله أعلم، المهم أن القصاص يجري يوم القيامة بين الناس من باب إقامة العدل، أما كيف يقتص: فالله أعلم. انتهى من موقعه على الإنترنت.
والله أعلم.